تواترت الروايات حول تدمير مكتبة الإسكندرية، وظل السجال بين المؤرخين حول تاريخ ومرتكب الحادث، وظهرت أقلام غربية تلقي بالتهمة في ساحة العرب، رغم الحقائق المؤكدة بحدوث الحريق في عهد الإمبراطور اليوناني يوليوس قيصر عام  48 قبل الميلاد.

Ad

يلفت بابلو دي غيفنوا إلى أن تدمير مكتبة الإسكندرية يغلفه الصمت والتضخيم، وإذا استثنينا عدداً قليلاً من الباحثين، سوف لا نجد من يتحدث عن هذا الموضوع بحيادية، وكأنه اتفاق غير معلن بعدم كشف الحقيقة.

يتساءل غيفنوا، كيف أمكن لحادثة وقعت منذ ألفي عام أن تظل، مهما كانت درجة قوتها، ذات تأثير قوى، بما يجعل مجتمعات مثقفة ومتطورة مثل المجتمع الغربي، ويفترض أنه محايد وعلماني في مجال البحث العلمي، يواصل خطابه المتسم  بالالتواء واللاحيادية.

ويؤكد أن مكتبة الإسكندرية تعتبر مثالاً للألمعية الثقافية التي لا تجد لها مثيلاً في العالم القديم، غير أن زوالها المفاجئ والكامل من الوجود أدخلها في دائرة الأسطورة، والتحليق في أجواء غرائبية منافية للحقائق التاريخية.

من المعروف أن المكتبة قد هدمت أثناء ما يسمى بالحروب الاسكندرية في مناورة مؤسفة قام بها يوليوس قيصر في نهاية القرن الأول قبل الميلاد، وأدى فقدانها إلى كثير من التكهنات، وأصبحت تابوهاً غلف وقائع هذه الكارثة بالغموض.

يقول غيفنوا: {عندما نتحدث عن العرب نجد أنهم قدموا إلى الإسكندرية في القرن السابع الميلادي، وبالتالي لم يظهروا على صفحات التاريخ مرتبطين بهدم المكتبة الكبرى أو المكتبة الصغرى الملحقة، إذ حدث ذلك قبل وصولهم بقرون}.

رغم هذا يسكن المخيلة العامة للجميع، اعتقاد أن العرب هم الذين أحرقوا مكتبة الإسكندرية، وهذا محض افتراء. ومن بين تلك الأساطير القائمة أكذوبة أن عمرو بن العاص قائد الجيش العربي، هو المسؤول عن حريق المكتبة بل وهدمها بناء على تعليمات صدرت له من الخليفة عمر بن الخطاب.  

يكشف غيفنوا زيف هذه الأكذوبة، والتي نسجها أسقف مسيحي مشرقي يدعى أبو الفرغيوس خلال القرن الثالث عشر الميلادي، أي بعد ستمئة عام على دخول العرب مصر، وانتشرت هذه الرواية خلال القرن السابع عشر الميلادي على يد الكاهن والمستشرق الإنكليزي بوكوك.

لغز النهاية

على مدار 422 صفحة، ومن خلال الكتاب المكون من خمسة فصول، يحل المؤلف اللغز في النهاية، ويبرئ ساحة العرب من حرق المكتبة، ومن خلال بحثه في التابوهات الغامضة، ويرسم مشهداً مختلفاً حول النهاية المأساوية التي عاشها الحلم العظيم للبطالمة، منارة المعرفة التي أضاءت أزمان العالم القديم.

اتفقت الروايات حول إنشاء المكتبة في عهد بطليموس الأول ما بين عامي 288 و330 قبل الميلاد، واستكمل بناءها بطليموس الثاني، وتعد أقدم مكتبة في التاريخ، وضمت نحو 770 ألف مجلد، وظل الحلم بإعادة بنائها، وافتتحت في عام 2002 في موقع المكتبة القديمة، وتضم نحو ثمانية ملايين كتاب، وهي أول مكتبة رقمية في القرن الحالي.

يذكر أن بابلو دي غيفنوا باحث ومصور، وعضو في السلك الديبلوماسي الإسباني، وشغل منصب المستشار الثقافي الإسباني لمرتين، وله عدد كبير من الكتب والمقالات التاريخية من بينها {رحلة إلى السودان} و{الاتجاهات الأربعة للتصوير الإسباني المعاصر.

أما المترجم علي منوفي، فهو أستاذ الأدب الإسباني المعاصر في كلية اللغات والترجمة في القاهرة، وله كم كبير من الدراسات والأبحاث المترجمة عن الإسبانية، ونحو أربعين عنوانًا عن الإسبانية.