أبدأ اليوم من حيث انتهيت في مقالي السابق، حين ذكرت أنني وجهت نصيحة لشباب الحراك بالابتعاد عن النواب كي لا يبوء حراكهم بالفشل. واليوم أود أن أشرح بعض الأسباب التي دعتني إلى ذلك. السبب الرئيسي هو أن ما يسمى بنواب المعارضة غير مؤهلين لقيادة حراك حقيقي يسعى للتغيير، مع احترامي لشخوصهم الكريمة، فمنهم من أكن له كل التقدير والاحترام.

Ad

إن القيادة كي تكون فاعلة وناجحة تحتاج أولاً إلى رؤية وأهداف واضحة ومحددة، وبرنامج عمل يواكب تلك الرؤية والأهداف، وعمل دؤوب لتحقيق هذا البرنامج على أرض الواقع، وتلك أمور لا تملكها المعارضة إن صحت تسميتها بذلك.  

في الدول البرلمانية ذات النظام الحزبي تجتمع المعارضة حول برنامج بديل لما هو مطروح من السلطة، تختلف مع السلطة حول الرؤى والحلول لمشاكل حقيقية، وتسوق نفسها بناء على ما تطرحه من حلول وفق برنامج معين واضح وعملي وقابل للتطبيق. أما في نظامنا السياسي وفي ظل غياب الأحزاب فإن العمل السياسي لا يخرج عن إطار العمل الفردي الذي يزول بزوال صاحبه، فالعمل الفردي لا يجدي على المدى البعيد لأنه مرتبط بشخص لا بفكرة أو بمؤسسة. هذا الوضع خلق لدينا أبطالاً ورموزاً لا يطرحون البدائل ولا يعملون على تغيير الواقع، بل يقتاتون على ضعف وأخطاء السلطة. فعملهم لا يخرج عن نطاق ردود الأفعال واستخدام خطاب يحفز المشاعر ولا يخاطب العقل. وفي ظل غياب الرؤية والبرنامج والعمل الحزبي، يجتمع هؤلاء حول مشروع انتخابي بحت. والمشروع الانتخابي لا يمكن له أن يفرز مشروعاً لبناء الوطن.

السبب الآخر لعدم قدرة المعارضة على قيادة حراك ينشد التغيير هو أن الغالبية من النواب هم في النهاية أحد إفرازات النظام الذي يسعى شباب الحراك إلى تغييره. فهنالك تشابه كبير بينهم وبين السلطة من حيث استخدامهم لنفس الأدوات. ففي حين استخدمت السلطة لسنوات طويلة سياسة فرق تسد، وضرب فئات المجتمع لإضعافها، استخدم الكثير من نواب المعارضة نفس السياسة عن طريق تبني بعضهم للطرح الإقصائي والطائفي، وسكوت البعض الآخر عن تلك الممارسات.

وفي حين فتحت السلطة أبواب المعاملات لتتحول أجهزة الدولة المختلفة إلى أدوات للترضيات وشراء الولاءات، ارتمى العديد من نواب المعارضة في أحضان هذا النظام وتحولوا إلى نواب يسعون إلى إرضاء ناخبيهم وكسب الأصوات عن طريق تخليص المعاملات بدل ممارسة دورهم داخل أروقة اللجان لإيجاد حلول لقضايا البلد والمواطنين بصورة عامة، وهم بذلك يستخدمون أجهزة الدولة لكسب الولاءات. وفي حين استخدم أطراف النزاع حول الحكم الساحة السياسية لتصفية الحسابات، انضم البعض لذلك الصراع إما عن طريق قبول الدعم المباشر أو عن طريق التحالفات غير المعلنة كي يصبحوا أدوات لضرب الخصوم، ومن يحتمي بشيخ كي يضرب شيخاً آخر لا يمكن له أن يقود التغيير المنشود. فالتغيير لن يتحقق إلا من خارج ذلك النظام العقيم.