أكد وكيل وزارة الصحة المساعد لشؤون التخطيط والجودة د. وليد الفلاح أهمية استحداث إدارة للأبحاث في وزارة الصحة، مبيناً أن من شأن هذه الإدارة أن تساهم في التصدي والوقاية من الأمراض المزمنة غير المعدية التي توليها الوزارة أهمية خاصة، والتي تشمل السكري والسرطان والأمراض النفسية المزمنة، إضافة إلى أمراض القلب والأوعية الدموية.
وقال الفلاح، في حوار مع «الجريدة»، إن تلك الأمراض تمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه التنمية في البلاد، مشيراً إلى أن الوزارة تسعى إلى جعل الكويت مركزاً إقليمياً متميزاً في التعامل مع هذه النوعية من الأمراض. ولفت إلى أن التوجه العالمي يهدف إلى الانتقال من مفهوم الخدمات الصحية، التي تتعامل مع الأمراض، إلى المحافظة على الصحة وتعزيزها وتقويتها، داعياً إلى الاستفادة من خبرات فنلندا في ما يتعلق بإجراء البحوث الصحية المشتركة والمسوحات المتعلقة بالوقاية من هذه الأمراض، إلى جانب تشجيع الأنماط الصحية للحياة، والاستفادة من الخبرات البحثية الفنلندية في هذا الصدد. وفي ما يلي تفاصيل الحوار:* أعلنتم قبل أسابيع استحداث إدارة متخصصة في مكافحة الأمراض المزمنة غير المعدية والتصدي لها، فعلام ترتكز خطة الوزارة في هذا الشأن؟- بالفعل باشرت الوزارة خطواتها وإجراءاتها نحو استحداث إدارة جديدة متخصصة في التصدي ومكافحة الأمراض المزمنة غير المعدية، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تخصيص إدارة لهذا المجال.وقد تم إدراج مشروع التصدي ومكافحة الأمراض المزمنة غير المعدية كمشروع مستقل في خطة عمل الوزارة للسنوات الأربع المقبلة 2013/2017 وذلك بناء على تعليمات وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الصحة الشيخ محمد العبدالله، والذي أعطى هذا الموضوع أولوية خاصة، فضلاً عن وكيل الوزارة د. خالد السهلاوي.ويستند هذا المشروع إلى 5 ركائز أساسية، أولها استحداث إدارة للتصدي للأمراض المزمنة غير المعدية، إلى جانب وضع استراتيجية وطنية في هذا المجال، والسعي نحو جعل الكويت مركزا إقليميا متميزا بين دول المنطقة في التعامل مع هذه الأمراض، إضافة إلى إنشاء قواعد بيانات متكاملة لتلك الأمراض وعوامل الاختطار بها.كما يرتكز المشروع أيضا على تطوير المرافق الصحية في وزارة الصحة لتتواكب مع متطلبات التميز المنشود في التصدي والوقاية من تلك الأمراض، إلى جانب استقطاب الكفاءات الدولية المتميزة في هذا المجال، لتقديم المحاضرات وورش العمل وإجراء أبحاث مشتركة مع المراكز العلمية المرموقة لتدريب الجهاز الفني في الوزارة على كل ما هو جديد فيما يتعلق بالتصدي ومكافحة الأمراض غير المعدية.ويجدر التأكيد على أن قواعد البيانات الخاصة بهذه الأمراض ستكون أداة هامة في رصد هذه الأمراض وقياس مدى انتشارها في المجتمع، كما ستفيد قواعد البيانات في إجراء البحوث والدراسات التي تتعلق بتلك الأمراض.عمل جماعي* هل ستسير الوزارة نحو إنجاز هذا المشروع بمفردها أم بالتعاون مع الوزارات الأخرى؟- أساس نجاح هذا المشروع هو العمل الجماعي والتنسيق والتعاون المتواصل بين كافة الجهات ذات العلاقة سواء داخل وزارة الصحة أو خارجها من قطاعات حكومية وخاصة ومؤسسات المجتمع مدني، ونظرا للأهمية القصوى لهذا الموضوع على المستوى العالمي فإن المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية أدركت أن النجاح في التصدي لهذه الأمراض يتطلب بذل الجهد الحثيث والمتواصل على صعيد الحكومة ككل والمجتمع ككل، من خلال برامج وسياسات متعددة التخصصات يشترك في التخطيط لها ووضعها موضع التنفيذ مختلف القطاعات والوزارات والجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في الدولة.كما أدركت منظمة الصحة العالمية أهمية إدراج الصحة في جميع السياسات التي تتخذ وجميع القوانين التي تشرع في الدولة، حيث إن التطور في المفهوم الصحي يمثل التوجه الحديث للانتقال من مفهوم الخدمات الصحية التي تتعامل مع الأمراض من حيث التشخيص والعلاج فقط إلى المفهوم الشامل الذي يهدف إلى المحافظة على الصحة وتعزيزها وتقويتها في المقام الأول، ثم يأتي ثانيا التعامل مع الأمراض من حيث العلاج والتشخيص، وهذا ما نراه في دول العالم المتقدم التي سعت إلى تطبيق مفاهيم الإصلاح الصحي الحديث وإعادة هيكلة خدماتها الصحية لتتناسب مع هذه الرؤية الجديدة.التجربة الفنلندية* ما أهم المستجدات في الوزارة التي تساهم في التعامل مع هذه النوعية من الأمراض؟- خلال زيارتنا لدولة فنلندا في سبتمبر الماضي عرض علينا المختصون تجربة رائدة حققت لفنلندا شهرة عالمية في هذا المجال على مستوى العالم، حيث إنه بعد الحرب العالمية الثانية لاحظ المختصون في الخدمات الصحية أن هناك مناطق في فنلندا تكون نسبة الإصابة فيها بأمراض القلب أعلى بكثير من المناطق الأخرى وأعلى من النسبة الوطنية لأمراض القلب، وبعد إجراء الدراسات أدركوا أن السبب يرجع إلى نوع الغذاء الذي يتناوله سكان هذه المناطق وأسلوب حياتهم. وفي ذلك الوقت تم وضع مشروع بحثي رائد لتغيير نوع الغذاء وأسلوب حياة سكان هذه المناطق، مع إجراء الفحص الدوري والتوعية والتثقيف الصحي، وهبطت نسبة الإصابة بأمراض القلب بشكل كبير. ونشر هذا البحث في الدوريات العالمية ونال شهرة عالمية في أهمية التدخل قبل حدوث المرض للوقاية من الإصابة به. ونحن في الكويت لدينا أبحاث كثيرة يقوم بها المختصون من الأطباء في مجالات مختلفة. وبوصفي رئيسا للجنة الأبحاث في الوزارة فقد رأينا أنه حان الوقت لاستحداث إدارة جديدة للأبحاث، حيث إن موضوع الأبحاث يعتبر أساسا من أساسيات مشروع التصدي والوقاية من الأمراض المزمنة، وقد تم وضعه في برنامج عمل الحكومة.* هل تعتقدون أن الأمراض المزمنة غير المعدية تمثل تحدياً أمام مقدم الخدمات الصحية في البلاد؟- بالفعل تمثل تلك الأمراض أحد أكبر التحديات التي تواجه التنمية على مستوى دول العالم، ومن بينها الكويت، نظرا لتأثيراتها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأعباء المترتبة على انتشارها، وانعكاس ذلك على النظم الصحية والبرامج الإنمائية. وقد التقت إرادة قادة ورؤساء الدول والحكومات من خلال الإعلان السياسي رفيع المستوى الصادر عن اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2011 على اعتبار التصدي للأمراض المزمنة غير المعدية والوقاية من عوامل الخطورة المؤدية لانتشارها أولوية تنموية على المستوى الدولي والإقليمي والوطني، وتبلور التزام الدول من خلال إصدار الإعلان السياسي لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المعني بالوقاية من الأمراض المعدية بموجب قرار الجمعية في 19 سبتمبر 2011، ومنذ هذا الإعلان باتت دولة الكويت أمام التزام دولي بإدراج التصدي للأمراض المزمنة غير المعدية والوقاية منها ضمن الخطة والبرامج الإنمائية على مستوى الدولة.وتضمن الإعلان السياسي للأمم المتحدة أن يكون للتصدي لتلك الأمراض آلية للرصد والتقييم والمتابعة، من خلال التقارير التي يتعين على الدول تقديمها بصورة دورية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما يشمله ذلك من التقدم المحرز في تطبيق الإعلان السياسي والوفاء بالتزاماته، وفي مقدمتها إدراج التصدي لتلك الأمراض ضمن الخطة والبرامج الإنمائية على مستوى الحكومة ككل، ومن المنتظر إجراء استعراض وتقييم شاملين عام 2014 خلال الدورة الـ68 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.* هل اطلعتم على تجارب دول متطورة عالمياً في هذا المجال؟- قمنا بزيارة فنلندا في سبتمبر الماضي، حيث إن هذه الدولة تعتبر من أهم البلدان الرائدة في التعامل والتصدي للأمراض المزمنة على مستوى العالم، وهذا بشهادة منظمة الصحة العالمية، حيث عقد في يونيو الماضي المؤتمر العالمي لتعزيز الصحة في مدينة هلسنكي، وكان هذا المؤتمر تحت مظلة منظمة الصحة العالمية. وأشاد المشاركون من الخبراء والمختصين الدوليين من دول مختلفة بتجربة فنلندا في التعامل مع تلك الأمراض، خصوصا خبرتهم في تغيير سلوكيات المجتمع لجعلهم يتحلون بعادات صحية والابتعاد عن عادات ضارة بالصحة، كما قمنا بزيارة المعهد الوطني للصحة في هلسنكي، فضلاً عن مركز البحوث الحيوية للسرطان وتسجيل السرطان والأمراض المزمنة في هلسنكي والتحليل الإحصائي، إلى جانب زيارة جامعة فنلندا الشرقية في مدينة كوبيو والمستشفى الجامعي.وفي هذا الإطار يجب الاستفادة من خبرات المختصين في فنلندا في ما يتعلق ببرامج وزارة الصحة بوجه عام، وتحديدا بمجالات إجراء البحوث الصحية المشتركة والمسوحات المتعلقة بالوقاية من الأمراض المزمنة غير المعدية، وتشجيع الأنماط الصحية للحياة والاستفادة من الخبرات البحثية للجانب الفنلندي لإجراء بحوث مشتركة ووفقا لأولويات الوزارة، إلى جانب استقدام المستشارين والخبراء من الجانب الفنلندي ودعوتهم للمشاركة في فعاليات المؤتمرات وورش العمل الطبية التي تنظمها الوزارة، بالإضافة إلى الاستعانة بخبراء من فنلندا لتقديم استشارات في مهام محددة ولفترات قصيرة في مجالات الوقاية من مرض السكري وتشجيع الأنماط الصحية للحياة ورعاية كبار السن والوقاية من اعتلالات الوظائف الذهنية وضعف الذاكرة، إلى جانب تعزيز دور التغذية الصحية في الوقاية من تلك الأمراض وتطوير قدرات الرعاية الأولية وبحوث تطوير أداء النظم الصحية.تحول جذري* ما أهم التوجهات الحديثة على المستوى الدولي في التصدي لتلك النوعية من الأمراض من وجهة نظركم؟- شهدت السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً على مستوى العالم في مفهوم النظم الصحية، والمطلوب من الخدمات الصحية في الدول المختلفة، حيث شهدنا نقلة سريعة في التحول من النظام القديم الذي كان يعتمد على التعامل مع الأمراض بمختلف أنواعها من حيث التشخيص والعلاج والتأهيل، وكانت الخدمات الصحية في الدول تبنى على هذا الأساس لتحقيق هذا الهدف إلى منظور جديد وهو أقرب إلى الواقع والمنطق بأن يكون الأساس ليس فقط المحافظة على الصحة، ولكن تقويتها وتعزيزها في المقام الأول، ثم يأتي ثانيا التعامل مع الأمراض.ولذلك حرصت الدول المتقدمة على إعادة هيكلة منظومتها الصحية، لتتناسب مع هذا التوجه الحديث، وقد رأينا ذلك بكل وضوح فيما يتعلق بالتصدي للأمراض المزمنة غير المعدية، حيث إن منظمة الصحة العالمية وكل المنظمات الدولية والخبراء والمختصين ينادون بأن تكون النظرة للتعامل مع هذه الأمراض أكثر شمولية، مما كان يحدث سابقاً بالذات، وذلك من حيث النقاط الثلاث التالية: أولاها ضرورة تعاون جميع القطاعات في الدولة، حكومية وخاصة، إلى جانب إشراك مؤسسات المجتمع المدني في هذا المجال، والثانية أهمية الأخذ بعين الاعتبار المردود والتأثير على صحة الفرد والمجتمع في كل ما تتخذه الدولة من سياسات في مختلف المجالات أو ما تسنه من تشريعات وقوانين، أما النقطة الثالثة فتتعلق بإدخال مفهوم العوامل الاجتماعية لتلك الأمراض في أي خطة توضع للتعامل مع الأمراض في المجتمع، حيث أدرك المختصون أن التركيز فقط على الفرد بذاته من حيث عوامل الاختطار والعادات والسلوكيات ليس كافيا، لذا نادوا بالتركيز أيضا على العوامل الاجتماعية في الإصابة أو الوقاية من الأمراض المختلفة.
محليات
الفلاح لـ الجريدة•: آن الأوان لاستحداث إدارة للأبحاث في وزارة الصحة
28-12-2013