فرصة ثمينة وفَّرتها المملكة العربية السعودية بدعوتها الصادقة لإيران إلى ضرورة فتح صفحة جديدة مع دول الخليج "العربي" والدول العربية كلها بصورة عامة وضرورة إدراك خطورة هذه الفترة، حيث وصل الاستقطاب في الشرق الأوسط إلى ذروته، وحيث هناك اقتتال بأبعاد طائفية داخل دائرة الحرب الأهلية في العراق وفي سورية أخطر ما فيه، على كل خطورته، أنه شكّل بؤر استقطاب للإرهاب بكل تنظيماته وأشكاله وألوانه، والذي من غير المستبعد أن ينتقل، وقريباً، إلى "الجمهورية الإسلامية"!

Ad

ولعل ما يجب أن تدركه إيران هو أنَّ هذه الدعوة الصادقة، الصادرة من موقع الثقة بالنفس والقوة والاقتدار، قد جاءت لوضع حدٍّ لكل هذه المخاطر التي تتعرض لها هذه المنطقة، وفي مقدمتها إيران، فهناك، بالإضافة إلى هذا الاستقطاب وكل هذا التوتر وكل هذا الصراع الذي بات يتخذ مساراً خطيراً هو مسار الحروب المذهبية والطائفية، تحشيد دولي في منطقة الخليج وفي مياهه قد ينفجر ذات يوم قريب إذا لم تدرك طهران أنه حان الوقت كي تعيد النظر في كل تطلعاتها التمددية والاستحواذية، وأنْ توقف تدخلها السافر في العراق وفي سورية وفي اليمن وفي السودان وفي البحرين وفي دولٍ عربية أخرى.

إنه برهانٌ على مدى تحمل المسؤولية التاريخية في هذه المرحلة الخطيرة فعلاً أن تبادر المملكة العربية السعودية، المعروفة بحساباتها السياسية الدقيقة وبـ"دبلوماسيتها" الهادئة وبحرصها على حسن الجوار، إلى فتح أبواب الحوار مع إيران ودعوتها إلى "تصفير" العدادات الحالية والسابقة وإلى طيِّ هذه الصفحة وحل كل الخلافات المسؤولة عن كل هذا التوتر والاستقطاب والبدء بعلاقات تستند إلى المصالح المشتركة وإلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وإلى تعزيز كل ما يجْمع ويوحِّد والابتعاد عن كل ما يفرق ويُباعد.

إنَّ المملكة العربية السعودية، بالتأكيد، تعرف أنه من الصعب، الذي يلامس حدود المستحيل، أنْ تغيِّر إيران هذا المسار الخطير الذي بقيت تسير عليه منذ انتصار الثورة الخمينية عام 1979 الذي أخذها إلى كل هذا التدخل الشائن والسافر في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، وبخاصة، وهذا هو الأخطر، في العراق وسورية ولبنان والبحرين وبدوافع تمددية مذهبية، لكن المملكة، مع ذلك، بادرت إلى توجيه هذه الدعوة إلى "العقلاء" الإيرانيين، على أمل أنهم يشاركونها المخاوف من أن تنزلق هذه المنطقة إلى ما هو أخطر وأنْ تستدرج هذه التوترات وهذه الاستقطابات صراعاً دولياً مسلحاً ستكون مياه الخليج ساحته الرئيسية إنْ هو احتدم بالفعل.. لا سمح الله ولا قدَّر!

لقد جاءت دعوة المملكة العربية السعودية هذه كـ"دقٍّ" لناقوس الخطر قبل أن يتجاوز هذا الذي تشهده المنطقة كل الخطوط الحمراء وقبل أن تتحول الأمور إلى "فالج لا تعالج"، ولذلك فإن المنتظر أن يلتقط عقلاء إيران الطرف الآخر من طوق النجاة، وألا يضيعوا هذه الفرصة الثمينة فيتركوا للمتشددين عندهم، الذين تحدثوا قبل أيام عن أن الحدود الإيرانية الغربية قد وصلت إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط في لبنان، إقحام هذه المنطقة في المزيد من الصراعات والحروب الطائفية المدمرة.

إنها فرصة ثمينة على "عقلاء" إيران عدم إضاعتها، وإنَّ فتح الصفحة الجديدة المطلوبة وفقاً لهذه الدعوة يجب أن يبدأ بتحويل إيران لمراهناتها من بشار الأسد ونظامه الدموي، الذي بات متهاوياً وآيلاً للسقوط في أي لحظة، إلى الشعب السوري العظيم بأكثريته وبأقلياته كلها، ومِنْ نوري المالكي وتطلعاته "الصدَّامية" إلى الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه وبسنته وشيعته ومسيحييه... على "عقلاء" إيران ألاّ يتركوا قرار الاستجابة لدعوة المملكة العربية السعودية إلى ذوي الرؤوس الحامية الذين أغرقوا المنطقة في هذه الفوضى التي تغرق فيها الآن والذين أعادوا المسلمين إلى تلك المرحلة البائسة من صراع المذاهب والطوائف وإلى مأساة الحروب العثمانية- الصفوية المعروفة.