«وراها عود»

نشر في 21-12-2013
آخر تحديث 21-12-2013 | 00:01
 علي البداح    هذا التعليق سمعته من كل الناس حين يبدأ الحديث عن قضية والدي محمد علي البداح، فلم يقبل أحد أن يختفي إنسان في غمضة عين دون أن تجد الحكومات المتتالية أي إشارة عن مصيره، وحين كتبت عن الجريمة الكاملة كان ذلك إيماناً بما يقوله الناس، وأنه لا يمكن أن يضيع إنسان في بلد فيه قوانين وحكومة ورجال أمن ما لم يكن وراء الاختفاء/ الاختطاف/ الإخفاء حتى الموت إلا واحد "عود".

محمد البداح لمن لا يعرف كان يعمل مراقباً في بلدية الكويت عن منطقة حولي والنقرة والجابرية قبل أن تتغير المسميات، وكان يعمل في تحديد الأراضي والعقار والكتابة للبلدية بهذه الحدود عند إثبات ملكية جديدة أو تغيير في الملكية، وعُين لسوء حظه في فترة التكالب على تملك الأراضي واختطاف أي بقعة ليس فيها وثيقة، وذلك بوضع اليد على الساحات والشوارع الواسعة، وكان بعض الشيوخ يضعون أياديهم ويطلبون من البلدية تسجيل تلك الأراضي بأسمائهم أو أسماء أصدقائهم وأتباعهم، وكانت الحكومة وقتها لا تمانع في تسجيل أي أرض تملكها شيخ بوضع اليد باسم الشيخ أو باسم من يهديها أو يبيعها له.

وقد جرى صراع بين بعض الشيوخ، وتم الاستيلاء على أراضٍ للغير لم تصدر بها وثائق شرعية، فقد كانت تلك فترة بداية تصدير النفط والإعداد لوضع المخطط الهيكلي للبلاد، وكانت فرصة للاستيلاء قبل تخطيط الشوارع أو تقنين عملية التملك بشكلها الحالي، وحدث أن تصادم بعض الشيوخ واختلفوا على من يتملك هذه الأرض أو تلك... وكان محمد البداح في وسط هذا الصراع، والويل له إن مال باتجاه هذا الشيخ أو ذاك. وقد اشتكى للشيخ فهد السالم رئيس البلدية وقتها من المشاكل التي يواجهها فطلب منه عدم المواجهة معهم وإبلاغه بأي مخالفة دون الدخول كطرف بين الشيوخ.

حين خرج من عندنا في بيته في حولي مساء يوم 21 ديسمبر 1961 كنا نتوقع عودته قرب منتصف الليل، لكنه لم يعد منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا، في البداية اعتقدوا أن السبب تعدد الزوجات أو أمور عائلية أو شخصية، وتركز التحقيق حول هذه الأمور.

وبعد 4 سنوات وبعد متابعة من مجلس الأمة قالت "الداخلية" إنها وجدت الفاعل، وإن امرأة سورية اعترفت بأنها وزوجها قتلاه واستوليا على كمية من الذهب والمصاغ. وقالت الوزارة بأنها بعثت مسؤولاً إلى سورية، وأن المرأة أكدت من الصورة التي قدمت لها أنه هو الشخص الذي قتلاه.

لكن الحكومة لم تتمكن من إحضار المتهمين إلى الكويت بسبب عدم وجود اتفاقية تبادل المجرمين ولعدم وجود دليل مادي على حدوث القتل، فذهبت إلى سورية ووجدت أن المرأة أُطلق سراحها بعد أن غيرت اعترافها، وذهبت إلى مكتب قنصل الكويت في دمشق وحصلت على نسخة من مراسلات الخارجية مع وزارة الداخلية وكانت المفاجأة أن المعلومات المذكورة كافة لا تمتّ إلى والدي ولا للفترة التي اختفى فيها بصلة. فالمرأة تتحدث عن صائغ ذهب وتاريخ دخولهما وخروجهما للبلاد كان بعد غياب الوالد بسنتين على الأقل، وقد كتبت خطاباً لوزير الداخلية بهذه المعلومات. بعد سنوات اكتشفت أن الوالدة، رحمها الله، كانت قد أدلت بإجابات واضحة حين سألها المحقق إن كان له أعداء ولم نعرف عن هذه الإجابة إلا بعد سنين لخوفها علينا من تبعات اتهاماتها، فقد قالت إن شيوخاً هددوه، وإن أحدهم وضع المسدس على رأسه وهو يأمره بوضع براميله على قطعة أرض بدلاً من براميل شيخ آخر.

هذا الجانب من الاتهام لم يبحث تماماً لا في بداية التحقيق ولا في أي وقت آخر، وحين علمت به طلبت إعادة التحقيق في هذا الجانب الخاص بعمله، ولم أجد أذنا مصغية فلجأت إلى مجلس الأمة وإلى الكتابة لعل مسؤولاً واحداً يحس بمسؤوليته تجاه مواطن إلا أن أذناً من طين وأخرى من عجين.

وحين وقف رئيس الوزراء الأسبق يعلن أن الفساد في البلدية "ما تشيله البعارين" ووقف بعده الأخ أحمد السعدون مشكوراً يُحمِّل الفساد في البلدية مسألة اختفاء محمد البداح، قدمتُ مذكرة معتمداً على جملة رئيس الوزراء الأسبق وكلمة رئيس مجلس الأمة الأسبق لإعادة فتح الباب في التحقيق بناء عليهما، ولكن لجنة الشكاوى حولت الشكوى إلى رئيس مجلس الأمة الذي حفظها على أساس التقادم وعدم تقديم دليل جديد.

وتمر اليوم الذكرى الثانية والخمسين على غياب محمد البداح ونحن نبحث عن الحقيقة ولا نسمع إلا أن وراء القضية "عود".

ليس أمامنا والحال هذه إلا الدعاء إلى الله أن ينتقم من مرتكب هذه الجريمة شر انتقام سواء كان "عود ولا صغير".

back to top