صناديق التحوط تُدير مبالغ مذهلة... 2.5 تريليون دولار

نشر في 20-11-2013 | 00:01
آخر تحديث 20-11-2013 | 00:01
لو كان ألفرد وينسلو جونز حياً، مؤسس صناديق التحوط، اليوم لأصيبَ بالذهول من متانة اختراعه؛ إذ لم تعد هذه الصناديق حِكراً على المستثمرين الأثرياء، بل أصبحت جزءاً من التيار العام، وتتولى إدارة مبالغ مذهلة بلغت 2.5 تريليون دولار.
حين سُئل ألفرد وينسلو جونز في نهاية السبعينيات من القرن الماضي عن توقعاته بالنسبة لأدوات الاستثمار المتخصصة التي يُنسَب إليه الفضل في اختراعها، لم يكن متفائلا. قال بحزن شديد: «لا يملك صندوق التحوط مستقبلاً رائعاً».

أساليب استثمار صناديق التحوط كان يتم نسخها بسهولة كبيرة تفوق الحد، وأوجه القصور التي ازدهرت بسببها تآكلت بسرعة كبيرة فوق الحد. وظن جونز أنها لن تصبح أبدا جزءا كبيرا من المشهد الاستثماري.

لو كان جونز حياً اليوم لأصيبَ بالذهول من متانة اختراعه. فهي لم تعُد حِكراً على المستثمرين الأثرياء في القطاع الخاص، بل أصبحت صناديق التحوط جزءاً من التيار العام، وباتت تتولى إدارة مبالغ مذهلة بلغت 2.5 تريليون دولار، معظمها من صناديق التقاعد. وهذا يتجاوز كثيراً الذروة التي كانت عليها قبل الأزمة، عند مستوى 1.9 تريليون دولار.

 

هيكلة الرسوم

 

مع ذلك، شيء واحد لم يتغير هو هيكلة الرسوم التي ابتكرها جونز لتمويل صندوقه الأصلي الذي اشتمل على 100 ألف دولار في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي. نعم، كان هناك بعض التآكل في رسوم الأداء المشهورة، البالغة 20 في المئة، التي تشكل إلى جانب الرسم الإداري السنوي الدخل الذي يحققه الصندوق. لكن هذا كان هامشياً. فرغم كل ما لدى المؤسسات من قوة شرائية مفترضة، مازال عليها تخفيض الأسعار تدريجياً.

بالتالي الرسوم التي صممت أصلاً للحفاظ على محل جونز الصغير المثقل بالأبحاث تم تحويلها بعد ذلك إلى أموال ضخمة، بعضها يصل إلى مليارات مكونة من رقمين. وحين تضاف إلى نفقات التداول الضخمة التي يتحملها مستثمرو صناديق التحوط عن طيب خاطر، تصبح التدفقات النقدية الناتجة مذهلة حقاً.

هذه الأموال تقوم بأكثر من تمويل لأساليب الحياة المثيرة للحسد، التي يتمتع بها الذين يديرون تلك الشركات. فهي تمول سباق تسلح واسع بالمعلومات يبدو أن العديد من الصناديق وأصحابها يعتبرونه ضروريا لتأمين ازدهارها.

إدارة الصناديق

 

إن إدارة صناديق التحوط مُكلفة بصورة غير عادية. ويتطلب توظيف المتداولين والمحللين المهرة مبالغ ضخمة، لأن حظوظ الصناديق تعتمد على أحكامهم. وهذا قبل تكاليف تكنولوجيا المعلومات وغيرها من المعلومات التي يتكبدها صندوق التحوط، فضلا عن الرسوم التي يدفعها للوسطاء، خاصة المصارف الاستثمارية.

وهذه التكاليف تُحمّل بشكل كبير على العوائد التي يتلقاها المستثمرون، وهو أمر لا يثير الدهشة. وفي كتاب نُشر العام الماضي، قدّر سايمون لاك، وهو مستثمر، أن الرسوم التي تتقاضاها صناديق التحوط ومجمعات الصناديق منذ التسعينيات من القرن الماضي تستقطع ما يقارب 98 في المئة من العوائد التي تنتجها.

وتؤكد قضية تداول بالمعلومات السرية أقيمت في الفترة الأخيرة ضد SAC Capital، وهو صندوق تحوط أسسه ستيف كوهين، إسراف هذا الأنموذج. ورسوم SAC العالية جداً – كان كوهين من الوقاحة بحيث إنه كان يتقاضى، ليس النسبة المعتادة وهي 2 و20 بل 3 و50 ـ مكَّنَتْه ليس فقط من توظيف المتداولين القديرين جداً، ولكن أتاحت لهم أداء دورهم بقوة، لأن كل واحد منهم كان مسؤولاً فقط عن عدد قليل من الأسهم.

 

البحث عن المعلومات

 

وتم الدفع لمديري المحافظ ليس على أساس الصندوق ككل، بل بناءً على أداء تلك الشركات القليلة التي كانوا مسؤولين عنها. ولأن صندوق SAC من النوع الذي يسمى بصندوق تحركه الأحداث، كان على المديرين استخلاص أي شذرة من المعلومات التي بإمكانهم اكتشافها التي قد تحرك أسعار تلك الأسهم.

وبالتأكيد قدم نهج SAC ذو الكثافة العمالية عوائد كبيرة. ففي خمسة من السنوات الست بين عامي 2006 و2011 تفوق على متوسط صناديق التحوط، وغالباً بهامش واسع. والمشكلة كانت أن كثيرا من المعلومات التي تداولها بعض من كان في الشركة، تم الحصول عليها بشكل غير سليم.

ربما خالف صندوق SAC القواعد والأنظمة، لكن في نواح كثيرة كان الموظفون المخالفون يفعلون ما تفعله صناديق التحوط كافة، وهو البحث عن «نقطة تفوق». ولدى شركات أخرى طرق مختلفة لتحقيق الهدف نفسه، سواء بإعطاء الأموال لمختصي الرياضيات الفائزين بالجوائز من أجل ابتكار الخوارزميات التي بإمكانها معرفة أوجه القصور في السوق، أو دفع رسوم ضخمة لأسواق الأوراق المالية من أجل وضع كمبيوترات في مباني تلك الصناديق، وهو ما يعطيها ميزة في التوقيت يتم قياسها بأجزاء من الثانية.

 

صناديق مكشوفة

 

وكان المستثمرون يصبرون على هذه التكتيكات، على الرغم من أن عوائدها تضاءلت فيما يبدو في الأعوام الأخيرة. لكن من المشكوك فيه مدى استفادة المؤسسات بالفعل من نقطة التفوق المذكورة، التي تشكل أموالها النقدية الآن معظم أموال صناديق التحوط.

وتعتبر صناديق التقاعد مكشوفة للسوق ككل، وليس فقط لصناديق التحوط. وإلى الدرجة التي تقوم بها صناديق التحوط بتحقيق مكاسب على حساب المستثمرين التقليديين «أو بعضها بعضا»، فإن صناديق التقاعد تخاطر بكونها مشاركة على غير علم بلعبة محصلتها صفر، حيث يتم تعويض مكاسب أحد الصناديق بخسائر صناديق أخرى، ناقصاً تكاليف العملية. وهذا أنموذج يستفيد منه في النهاية الوسطاء وليس المستثمرين النهائيين.

قبل بضع سنوات تم تقدير التكلفة الكاملة لاستثمار صندوق التحوط، بما فيها رسوم بنوك الاستثمار، بأكثر من 7 في المئة من الأموال المستثمرة. وهذه النسبة تجاوزت العوائد طويلة الأمد من سوق الأسهم. ومن هذا الباب فإنها تعتبر غير قابلة للاستدامة. وكان تنبؤ ألفرد وينسلو جونز سابقاً لأوانه إلى حد ما. لكن من حيث المضمون، ربما يتبين أنه كان على حق.

* (فايننشال تايمز)

back to top