على طريق تقييد الحريات، والسير عكس تيار التطور والتنمية المتبع في الدول المتقدمة، كانت وجهة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أمس عندما بدأت أولى خطواتها نحو مراقبة مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات نفع عام وجمعيات خيرية، وذلك عبر عزمها إنشاء مجلس أعلى لمنظمات المجتمع المدني، بدعوى توسيع دور هذه المنظمات التنموي، وتعميق مشاركتها في القرار الحكومي، في بادرة وصفها المراقبون بأنها سلبية وتعيد الكويت خطوات كبيرة إلى الوراء.

Ad

وجاءت هذه الخطوة عندما بعثت "الشؤون" إلى مؤسسات المجتمع المدني بما أسمته "وثيقة العمل المدني بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وجمعيات النفع العام والجمعيات الخيرية والمبرات".

ورغم ما ترفعه الوزارة من شعارات رددتها في هذه الوثيقة، وما تلقيه من "مُشهيّات" حول اعتزامها إنشاء هذا المجلس، يبقى الغرض الأساسي لكل تلك الأفكار هو رغبتها في إحكام السيطرة التامة غير المبررة عليها، وقصرها على العمل التطوعي الاجتماعي بعيداً عن كل ما يزعج الحكومة ويسبب لها صداعاً هي في غنى عنه.

وقالت مصادر حكومية لـ"الجريدة" إن الهدف الرئيسي من إنشاء المجلس هو الحد مما تدعيه "الشؤون" عن انحراف تلك المؤسسات وتدخلاتها في السياسة، ومنعها من العمل لأهداف غير التي أنشئت لأجلها أو الانحراف إلى أهداف مشبوهة، فضلاً عن متابعة الجمعيات واللجان الخيرية، وتكريس دورها التطوعي وضبط عمليات التبرع الخيرية.

ويبدو تناقض أهداف "الشؤون" من إنشاء هذا المجلس جلياً، فبينما أكدت المصادر أن هدف الإنشاء، هو توسيع أدوار جمعيات النفع العام ومشاركتها في التنمية، وتشجيع مبادراتها المجتمعية، سواء بصورة مستقلة أو من خلال مشاركة القطاع الخاص وأجهزة الدولة الرسمية الأخرى المعنية بالعمل المدني والخيري، طرح مراقبون تساؤلاً عن كيفية مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في كل هذه الأنشطة من دون التطرق للسياسة!

 ولفتت المصادر إلى أن الوثيقة المرسلة إلى جمعيات النفع العام تتضمن تذكيراً بالإطار القانوني لعملها، متطرقة إلى قانون 24/1964، وتحديداً ما فيه من المحظورات التي يتمثل أبرزها في التدخل في السياسة أو المنازعات الدينية أو إثارة العصبيات أو الطائفية أو العنصرية، ومزاولة أي نشاط قبل إشهار الجمعية وإشهار نظامها.

وبيّنت أن وزارة الشؤون تؤكد في مشروعها أهمية العمل التطوعي، وضرورة توسيع أطر المشاركة الشعبية في الأعمال المجتمعية المختلفة، وإنشاء مراكز تطوعية في المناطق السكنية ومراكز الشباب، إضافة إلى العمل على إيجاد آلية مؤسسية لرصد وتشخيص وتحديد مصادر المخاطر الاجتماعية التي تواجه التماسك الاجتماعي، وذلك من خلال إنشاء مرصد اجتماعي وطني بمشاركة المجتمع المدني، وبناء منظومة مؤشرات لتلك المخاطر.

وأشارت إلى أن "الشؤون" تهدف من خلال إنشاء المجلس أيضاً إلى التصدي لما اعتبرته من الظواهر السلبية الدخيلة على المجتمع، والتأكيد على ترسيخ ممارسات المواطنة الإيجابية المسؤولة والهوية الوطنية بأساليب مبتكرة ومتنوعة، لترسيخ الولاء والانتماء للوطن والاندماج بين أطيافه، وترسيخ مفهوم علاقة المواطن بالدولة على أساس الواجبات والمسؤوليات.

يُذكَر أن فكرة إنشاء أجهزة حكومية لمراقبة مؤسسات المجتمع المدني ليست جديدة، بل سبقتها محاولات كثيرة، منها ما جاء في اقتراحات تقدم بها بعض أعضاء المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية عام 2006، إضافة إلى اقتراح بإنشاء اتحاد لجمعيات النفع العام من جمعية المهندسين، فضلاً عن المحاولة النيابية لتغيير قانون 24/1964 في اقتراح تقدم به النائب السابق ناجي العبدالهادي بالتنسيق مع نورية السداني، مستشارة نائب رئيس مجلس الوزراء آنذاك الشيخ أحمد الفهد، إلى جانب صيغ أخرى تقدمت بها جمعيات نفع عام.