مع تفاقم مشكلة الزحام المروري، تأتي المقترحات لحلها من القيادات المرورية غير منطقية وغير عادلة أيضاً، وآخرها كان التلويح بتقليص عدد المركبات التي يتملكها الوافدون على أساس أن كثرة مركباتهم هي العامل الأكبر في مشكلة الزحام، ولأنهم يمثلون ثلاثة أرباع سكان الكويت، في حين يشير آخرون إلى أن زيادة الرسوم على رخص القيادة ومضاعفة الغرامات هي الحل الأمثل لتقليص عدد من "يفرفرون" في الشوارع ليل نهار، إضافة إلى مقترح قديم يطرح اليوم من البعض يتمثل بزيادة سعر البنزين، وكذلك رسوم مواقف السيارات، يقول الأستاذ عبداللطيف الدعيج: "السبب الأساسي لها- أي للزحمة- هو الدعم الحكومي للوقود والدعم الحكومي للمواقف، أو بعبارة أخرى أن الحكومة هنا تشجع الازدحام المروري، وهي التي تعمل على تفاقم مشكلة المرور، تماماً كما تفعل بدعم كل الأزمات والمشاكل عبر "دعمها" للإسراف في الاستهلاك"!
حسنا، كل هذه المقترحات "الغرامات والرسوم وزيادة سعر البنزين والمواقف" ستقلص المشكلة لكنها لن تحلها تماماً، فالذي لديه عمل من الوافدين سيخرج إليه حتى إن كانت تكلفة البنزين ضعف ما هي عليه اليوم، واللي "ضايق خلقه" من شبابنا- وما أكثرهم- ويريد أن يتمشى ويوسع صدره بشوفة الناس في المجمعات التجارية لن تعييه أسعار المواقف إن كانت مئة فلس أو دينارا، أساساً هو يترك ديناراً كـ"بقشيش" للعامل في المقهى أو المطعم!والناس بشكل عام يتذمرون من زيادة الرسوم ويدعون بطول العمر أو قصره لمن تسبب في رفعها، لكنهم بعد فترة تردد يعتادون على الأمر ويعودون سيرتهم الأولى، ولعلنا نتذكر بأن عبقرياً ما في منتصف التسعينيات قد اقترح زيادة الرسوم الجمركية على السجائر ليضطر التاجر لزيادة سعرها إلى الحد من استخدامها، وبالفعل ارتفعت أسعارها من 200 فلس إلى 500 و600 فلس، فهل توقف المدخنون عن التدخين وهل تقلصت أعدادهم؟!الواقع أن الإحصاءات الأخيرة الواردة عن منظمة الصحة العالمية تقول إن الكويت هي الأولى على مستوى الخليج في نسبة المدخنين، وأن دول الخليج هي الأولى على مستوى العالم في التدخين، وما دمنا في صدارة الدول الخليجية فمعنى ذلك أننا في صدارة دول العالم، وزيادة أسعار السجائر إلى الضعف والضعفين لم تحرك شعرة في رأس أي مدخن لدينا!نعود إلى الأستاذ عبداللطيف الدعيج الذي يقول في ختام مقاله: "المطلوب- باختصار- هو حث المواطنين والمقيمين على استخدام وسائل النقل الجماعي، سواء كان خاصاً أو عاماً، بدلاً من أن يستخدم كل فرد سيارته لنفسه. بالعربي، لو استخدم ثلاثة موظفين سيارة واحدة للذهاب إلى الدوام، بدلاً من ثلاث، فهذا يعني ببساطة أننا "حلينا ثلثي الزحمة".. "وببلاش"!كلام الأستاذ عبداللطيف كان سيصبح صحيحاً لو أن الزحمة المرورية في الكويت هي في أوقات الذروة فقط، أي في دخول الموظفين إلى أعمالهم وخروجهم منها، لكن الزحام مستمر طوال اليوم تقريبا، فلا أحد يذهب إلى عمله في الحادية عشرة صباحا ولا في الثالثة عصراً، ولا في الثانية عشرة مساءً، وهي أوقات تكتظ بها الشوارع كما لو أنها أوقات بداية العمل أو انتهائه!المشكلة التي لا يريد أحد الالتفات إليها هي أن المسكن قد ضاق على أهله، وأن الحل يكمن في توسعته وزيادة حجمه، فنحن نعيش في الكويت على أقل من 15% من المساحة الكلية، وهي لا تستوعب أربعة ملايين ونصف من البشر، وبالتأكيد لن تستوعب ملايين أخرى في المستقبل القريب، وحل المشكلة المرورية حتى مشاكل أخرى مثل الزحام الحاصل في المستشفيات هي في التوسع وبناء مدن جديدة بعيدة عن العاصمة تشمل جميع الخدمات الضرورية لساكنيها، وكذلك ربط الجزر المهجورة كفيلكا وبوبيان وغيرها بالعاصمة عبر الجسور لتتسع رقعة الأرض لساكني الكويت وينتشروا فيها بدل تجمعهم في رقعة صغيرة من الأرض تكتظ بهم وتجعل صدورهم أضيق من حارة الأمان في طرقها!
مقالات
«زحمة يا دنيا زحمة»!
25-03-2014