آخر كلمات الراحل الدكتور أحمد الربعي – رحمه الله – كانت موجزة اختصرها بجملة من ثلاث كلمات "تفاءلوا فالكويت جميلة". ولا أعلم حقيقة كيف سيتكلم أحمد الربعي لو كان بيننا اليوم في وسط هذا الضجيج الذي يتركه خلفه خطاب الإحباط المتسارع نحو الأعلى، وكأن البلاد يتناقص فيها كمية الهواء الصالح للتنفس والعيش، لكنني على ثقة بأنه سيعيد نفس الجملة مرة أخرى.

Ad

لا أهتم كثيرا إلا بالإنسان البسيط الذي يطمح بأن يعيش وهو يشعر بأن حياته لا يعتريها القلق على مستقبل أولاده وكرامة عيشهم الممكنة، في ظل هذا الخطاب المحبط. لا أهتم كثيرا بالفئات التي لا ترى مشكلة محتملة في ترتيب وضعها داخل البلد أو خارجه، ولم أكن لأهتم بها لولا أنها هي التي تقود هذا الخطاب وتسوقه كي تثير رعبا بإيمان الناس بالوطن واضعة نصب أعينها أهدافا ليس الإنسان البسيط من ضمنها. هذا الخطاب الذي لا يتصدى له أحد ويقابله بخطاب متفائل يدفع الناس للعمل والإنتاج والإيمان بالمستقبل. ولا يرى قادة خطاب الإحباط، سواء بوعي أو دون وعي، ضرر هذا الخطاب وأثره السيئ على الناس والبلاد.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن الجميع يشارك اليوم في هذا الخطاب، ويقوم بتداوله والحث على تداوله وتوسيع الرقعة التي يمكن أن يؤثر عليها لتشمل فئات المجتمع من طلبة وأساتذة ومهندسين وأطباء وعمال وموظفين وغيرهم، لتشعر كل هذه الفئات باللاجدوى من هذه الأعمال، في ظل هذا الإحباط المتكرر.

حين قرأ السيد أمير طاهري، قبل أشهر، مجموعة من أعمال الكويتيين، ركز في نقده على أسباب الإحباط الذي تعانيه الشخصية الكويتية في أغلب الأعمال، علما بأن المؤلف وشخصياته الافتراضية تعيش في وسط ثروة مالية وحرية معقولة. عارضته يومها من جانب أدبي معتبرا أن الكاتب ليس هو ذاته في نصه ولا الحياة التي يصورها هي حياته. وأرى الآن أن الكاتب الكويتي كان يرى مستشرفا هذا الإحباط الذي يستمع لضجيجه كل يوم على قنوات الفضاء وعبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتبر المادة الأساسية لأغلب الكويتيين اليوم.

الذين يقودون هذا الخطاب الإحباطي عليهم أن يعلموا أن الناس ليست محصنة بما يكفي كي لا يتزعزع إيمانها بوطنها ومستقبله، وعليهم أن ينتهبوا إلى أن انتقاد السلبي في الحياة العامة شيء ونقله إلى العامة شيء آخر. وما سيترتب على خطابهم هذا هو تراخي الجميع عن أداء ما هو مطلوب منهم، فلا يثق الطالب بمستقبل تحصيله العلمي، ولا الأستاذ بجدوى ما يقدمه للطالب، ولا يثق المريض بإخلاص طبيبه، وتستمر ثقافة الإحباط حتى تصبح المادة والمادة فقط هي الهدف الرئيسي للإنسان المصاب بهذا القلق المرعب وغير المبرر. وينتقل الإنسان من العمل الجمعي إلى الفردانية لتحصين نفسه من هذا الخوف بالطريقة التي يراها.

سنعود مرة أخرى لنكرر جملة الراحل "تفاءلوا فالكويت جميلة" لنناهض خطاب الإحباط، ونؤمن بأن الإنسان هو من يصنع الأوطان ويرفع قيمتها، وهو الإنسان أيضا من يجعلها طاردة وربما دون إدراك منه.