علمانيو العراق يعبئون جمهوراً يائساً لاقتراع حاسم
اليسار والليبراليون يلقون رهانهم على «مليون صوت ضائع»
يصعب على الأحزاب العلمانية في العراق أن تعترف بأنها في "زمان غير زمانها" بعد أن ظلت في الصدارة منذ تأسيس الدولة الحديثة وانطلاق الانتخابات التأسيسية عام 1921، وهي التي ساهم أسلافها قبل ذلك برفد البرلمان العثماني "مجلس المبعوثان" بشخصيات قيادية من طراز طالب النقيب، ومثقفي ذلك العصر مثل الشاعر معروف الرصافي والأديب سليمان فيضي، الذين مثلوا نواة الحركة القومية في العراق، مرورا بصعود اليسار الذي استولى على الشارع منذ الخمسينيات، حتى تصفية المعارضين بقساوة في عهد صدام حسين البائد.وأدت التغييرات الاجتماعية والاقتصادية العنيفة بعد 1990 الى "أسلمة" جمهور الأحزاب العلمانية، وصعود كاسح للإسلاميين، عبر عن نفسه في ثلاثة اقتراعات تشريعية جرت منذ 2003، وأشاعت جواً من اليأس دفع الكثير من العلمانيين البارزين، الى الترشح على لوائح الأحزاب الدينية، أو التحالف معها، كما حصل مع وجوه ليبرالية تقليدية مثل أحمد الجلبي، وأياد علاوي في اقتراع 2010، وآخرين يمكن تمييز أسمائهم بوضوح في قوائم انتخابية تتشكل من قوى إسلامية بالدرجة الأساسية. لكن تحالفاً يضم قوى علمانية متنوعة في طليعتها الحزب الشيوعي، يدخل اقتراع البرلمان المقرر في نهاية الشهر بطموح كبير، متمسكاً بأن لدى العلمانيين "مليون صوت مشتت"، وهم يلقون باللائمة في ضياع الأصوات، على قوانين الانتخابات التي ظلت تسمح للكبير بابتلاع أصوات الصغير، وقد كافحوا لتعديل جذري في التشريعات سمح لهم لأول مرة، في انتخابات مجالس المحافظات العام الماضي، بالحصول على 21 مقعداً من أصل نحو 450 مقعداً هي مجموع الحكومات المحلية.
ويقول علمانيو العراق إن حصولهم على هذه النسبة الضئيلة يعد في حد ذاته سابقة تبشر بالخير، ويفسرون حصولهم على حصة محدودة رغم تعديل قانون الانتخابات، بعزوف سكان المدن والمراكز الحضرية، عن التصويت، حيث تتركز النخب المتعلمة والطبقة الوسطى الطامحة الى حكم مدني، ولكن هذه النخب يائسة في الوقت نفسه من إمكانية حصول تغيير واسع. ويعترف الإسلاميون بأن سكان الأطراف والضواحي الريفية هم الأكثر إقبالا على التصويت ويكثفون نشاطاتهم الدعائية هناك مستخدمين شبكة حسنة التنظيم تعمل داخل المساجد وفي المناسبات الدينية. ويأمل العلمانيون هذه المرة، أن ينجحوا في اقناع أهالي المدن بالمشاركة في الاقتراع، وتخطي نسبة المشاركة التي لم تتجاوز تقليدياً 25٪ بينما تسجل الأرياف والضواحي نسباً تصل الى 80٪، ويقولون إن الرغبة في التغيير تصاعدت لدى الجمهور، وأن بديل الأحزاب الدينية، هو التيار المدني.ويدللون على ذلك بأن العديد من الأحزاب الدينية وعلى رأسها حزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة نوري المالكي، باتوا "يسرقون" شعارات العلمانيين، ويبشرون بالحرية والطابع المدني للدولة، في محاولة لاجتذاب ناخبين علمانيين يبحثون عن "إسلامي معتدل" ليصوتوا لمصلحته، بعد يأسهم من صعود كتلة علمانية قوية الى البرلمان.ويتوقع المراقبون هذه المرة، صعود بضعة نواب يساريين وليبراليين الى مجلس النواب دونما استعانة بقوائم الإسلاميين، لكنهم يرجحون أن هؤلاء سيصبحون "رقماً مهماً" في لعبة الأوزان ومحاولات تشكيل الكتلة الأكبر التي تؤلف الحكومة، وحسب تجربة مجالس المحافظات العام الماضي، فقد تحالف العلمانيون مع الإسلاميين المعارضين للمالكي، مما سهل خسارته للحكومات المحلية في البصرة وبغداد.