ألمانيا غاضبة من الانتصار الأميركي في حرب العملات

نشر في 08-11-2013 | 00:01
آخر تحديث 08-11-2013 | 00:01
No Image Caption
رغم إضعافها للعملة من أجل رفع تنافسية الصادرات
لماذا هذا الهجوم الأميركي العلني بالكلمات على ألمانيا الآن؟ إحدى الإجابات عن ذلك هو أن سياسة التقشف في البلدان الطرفية في منطقة اليورو، شطبت العجز في الحساب الجاري في الدول الأضعف، لأن الانخفاض في مستويات المعيشة أدى إلى انهيار الواردات.

عندما فحص ستيفن كينغ، كبير الاقتصاديين في بنك إتش إس بي سي، توقعات كل شخص من فريقه حول الآفاق الاقتصادية المحلية لبلده في هذه السنة، وجد أنه يواجه مشكلة، وهي أن أغلب أفراد فريقه يعتقد أن الاقتصاد في بلده سيحقق النمو عن طريق التصدير.

وقال كينغ: «كل بلد في العالم تقريباً يتطلع نحو نمو يقوده التصدير، ولكننا لن نتمكن من تحقيق ذلك بالطبع، إلا إذا صدّرنا للمريخ أو المشتري».

كانت هناك ملاحظة على علاقة وثيقة بذلك، وهي الانتقاد الحاد والمفاجئ للسياسة الاقتصادية الألمانية، الذي صدر عن وزارة المالية الأميركية هذا الأسبوع.

فقد كتبت هذه الوزراة في تقرير لها تقول: «عملت الخطوات البطيئة لنمو الطلب المحلي الألماني والاعتماد على الصادرات، على إعاقة استعادة التوازن الاقتصادي، في وقت كانت فيه الكثير من بلدان منطقة اليورو ترزح تحت ضغوط اقتصادية شديدة، وكذلك الاقتصاد العالمي. وكانت النتيجة الصافية لذلك حدوث انكماش سيئ في منطقة اليورو وفي الاقتصاد العالمي أيضاً».

 

قلق أميركي

 

الولايات المتحدة – التي ذكرت على وجه الخصوص أن فائض الحساب الجاري الألماني يفوق الفائض الصيني – قلقة من أن الألمان لا يشترون ما يكفي من الأجانب (وخاصة الأميركيين).

لماذا هذا الهجوم العلني بالكلمات على ألمانيا الآن؟ إحدى الإجابات على ذلك هو أن سياسة التقشف في البلدان الطرفية في منطقة اليورو، شطبت العجز في الحساب الجاري في الدول الأضعف، لأن الانخفاض في مستويات المعيشة أدى إلى انهيار الواردات.

إعادة التوازن المفروض على البلدان التي تعاني العجز في منطقة العملة الواحدة، لم ينعكس على الدول التي حققت الفائض. لذلك تحركت المنطقة ككل من الحساب الجاري المتوازن إلى تحقيق فائض نسبته 2.3 في المئة في هذه السنة. لقد أصبحت منطقة اليورو متطفلة على باقي دول العالم.

ألمانيا ترفض هذه الاتهامات، وتشير إلى تزايد الاستهلاك مع تزايد الأجور الحقيقية. ولكن البنك المركزي الألماني أصبح قلقاً من ضعف أسعار الشقق في المدن الكبيرة.

النزاع الأميركي- الألماني الأخير هو آخر جولة تشهدها حروب العملات الجارية بين البلدين، وهو النزاع الذي تعود جذوره إلى رفض ألمانيا الغربية الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة في 1971 لإعادة تقييم المارك الألماني.

 

الثقة بالدولار

 

وبدلاً من مساعدة ألمانيا للولايات المتحدة في اتّباع سياسة توسيع الموارد المالية لتمويل حرب فيتنام، انسحبت واشنطن من اتفاقية بريتون وودز، بما فيها اعتبار الذهب معياراً للعملة. وبسبب ذلك انهار ذلك النظام، وفقد العالم ثقته بالدولار في تلك السنة.

وبعد فترة سادها الهدوء مدة 18 شهراً، عادت حروب العملة لتنشب في كل مكان. الصين بدأت بالتلاعب مرة أخرى بعملتها الرنمينبي، وذلك بإعادة تدوير تدفقاتها الرأسمالية وتحويلها إلى دولارات ويورو لإيقاف ارتفاع قيمة عملتها، وهو الارتفاع الذي يؤذي شركات التصدير الصينية.

أصاب الخوف دولاً أخرى، بعد أن فاجأ بنك الأحتياطي الأميركي المتداولين بالإبقاء على مشترياته من السندات المالية الأميركية البالغة 85 مليار دولار في الشهر، في سبتمبر، معجلاً بهبوط الدولار.

وحسب ما نُقل عن نيل ميللر، المحلل الاستراتيجي للعملات في بنك نيويورك ميلون، فإن كلا من كوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا بدأت تتحدث عن تخفيض أسعار صرف عملاتها الأسبوعين الماضيين.

 

نمو اقتصادي ضعيف

 

يكمن وراء كل ذلك نمو اقتصادي عالمي ضعيف، وحتى بمساعدة الفائض في الحساب الجاري، لم تتمكن منطقة اليورو من الخروج من الكساد الاقتصادي، إلا منذ فترة قصيرة فحسب.

أبلغت هذه المنطقة عن تضخم بلغ 0.7 في المئة فقط، وهو ما يكفي لإقناع المستثمرين المؤمنين بقوة الصادرات على المحافظة على قيمة العملة. انخفضت قيمة اليورو بنسبة 2.5 في المئة، وهو أسوأ انخفاض أسبوعي أداء لهذه العملة منذ أوائل يوليو من العام الماضي، عندما كانت العملة الموحدة (اليورو) وحيدة وغير مرغوبة.

منذ فترة طويلة، هناك جدال حول جوانب الصواب والخطأ في حروب العملات. لا شك أن الطلب المحلي البطيء في ألمانيا جعل من الصعب على بقية منطقة اليورو حل مشكلاتها.

 

اليورو

 

بالمثل، فإن إحلال اليورو محل المارك قد منح ألمانيا عملة ذات سعر صرف منخفض، مما أتاح لألمانيا الحلول في وضع يؤهلها للتصدير هذا العام أكثر من الولايات المتحدة. وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن ألمانيا في مرحلة ما بعد «بريتون وودز» لم تكن لديها أبداً عملة أضعف، عند تعديل قيمتها بحسب تضخم الأسعار. استناداً إلى الأجور، فإن سعر الصرف الحقيقي لعملتها هو خامس أضعف العملات منذ 1995، وهو أضعف بـ10 في المئة مما كان عليه عند إطلاق اليورو في 1999.

على ألمانيا نفسها أن تقلل من فائض حسابها الجاري الذي سجل رقماً قياسياً يقترب من 7 في المئة. أظهرت الأزمة أنه لا أمل يرجى من الاستثمار في مكاسبها التصديرية فيما وراء البحار، وتبين أنها كانت من أكبر الخاسرين من القروض العقارية الأميركية لضعاف الملاءة، فأصبحت مكشوفة بشدة أمام البلدان الطرفية في منطقة اليورو.

ومع ذلك، تُظهر ألمانيا بعض علامات استعادة التوازن إذ كان التضخم، ولمدة ستة أشهر، أعلى من معدله في منطقة اليورو، في أطول فترة يبقى فيها التضخم مرتفعاً في عصر اليورو، ماعدا فترة الطفرة في نهاية عام 2007.

 

حد أدنى للأجور

 

وُيعتبر فرض حد أدنى للأجور نقطة رئيسة في المفاوضات الجارية لتشكيل ائتلاف حكومي في برلين، وهو الذي سيؤدي إلى مزيد من رفع الأجور. يظل الاستهلاك ضعيفاً، ولكنه بدأ بالارتفاع، ويُتوقع له أن يقود النمو في العام المقبل، عندما تتحقق توقعات انخفاض الحساب الجاري.

أما بالنسبة للمستثمرين، فإن ما يهمهم ليس الأخلاق، حيث يعتقد كلا الجانبين أنهما على حق، طالما كان المنتصر في هذا الصراع هو صاحب العملة الضعيفة.

منذ فترة كان الدولار الأميركي يسجل ارتفاعاً، بعد الوصول إلى أدنى مستوى له بالمعدلات الحقيقية منذ انتهاء العمل باتفاقية بريتون وودز. وهو يظل تقريباً منسجماً مع المستويات المتدنية السابقة التي وصل إليها في 1978 و1995 و2008.

علينا أن نتجاهل اللغة الخطابية والملاسنات. بالنسبة للوقت الحاضر على الأقل، فإن الولايات المتحدة هي المنتصرة في حروب العملات.

* (فايننشال تايمز)

back to top