على متن الطائرة المتجهة إلى دبي وجدته ضمن قائمة الأفلام العربية التي أستطيع رؤيتها أثناء الرحلة، لكنني تجاهلته لأكثر من سبب؛ أولها أنني لم استسغ عنوان {المتحدين}، ورأيت أن الأصح لغوياً أن يُطلق عليه {المتحدون}، وثانيها أن المعلومات المتوافرة عن الفيلم كانت شحيحة للغاية، و}المرء عدوّ ما يجهل}، ومن ثم حسمت أمري وقررت أن أمضي زمن الرحلة في مشاهدة فيلم أجنبي!

Ad

في رحلة العودة فوجئت بفيلم United The أمامي، وكأنه يتحداني، ويطالبني بإعادة النظر في أمره، ودفعني الفضول إلى التعرف إلى هذا {الفيلم اللحوح}؛ فاكتشفت أنه من إنتاج الشركة الأميركية الشهيرة Touchstone Pictures، ومن إخراج الأميركي الأردني أمين مطالقة، الذي ذاع صيته بعد فيلمه الروائي الطويل الأول {كابتن أبو رائد} (2008)، وبطولة فاروق الفيشاوي الذي انتهت علاقته بالسينما المصرية منذ مشاركته في فيلم {ألوان السما السابعة} (2007). غير أن الاكتشاف الأكثر إثارة، بالنسبة إلي، أن الفيلم يتخذ من عالم كرة القدم نقطة انطلاق لقراءة الواقع العربي، وإسقاط على المشهد السياسي الراهن!

تبدأ أحداث الفيلم بالشاب الأردني {وليد} (وليد زعيتر)، لاعب كرة القدم المعتزل الذي يفكر في تدشين أكاديمية الشرق الأوسط لكرة القدم، ويلجأ إلى مدربه المصري {عدلي عبد اللطيف} (فاروق الفيشاوي) الذي اعتزل الحياة، بسبب شعور المرارة الذي تملكه بعد أن حملوه مسؤولية هزيمة المنتخب الوطني وضياع الحلم المصري، وأقالوه. ثم زادت عزلته بعد موت ابنته وزوجها في حادث سيارة، واختار الإقامة في شقة متواضعة في إحدى الحارات الشعبية مع حفيدته {ليلى} (بثينة) ذات الثمانية عشر ربيعاً، التي تفرغ لتربيتها بعدما أغلق صفحة الماضي من دون رجعة، ومن ثم رفض العرض الذي قدمه {وليد} ليتولى مسؤولية تدريب فريق الأكاديمية. لكن حفيدته أرسلت الموافقة من وراء ظهره، وفي العاصمة الأردنية عمَان يُفاجأ بانهيار البنية التحتية، وغياب المقومات الأساسية اللازمة لتشييد فريق قوي، ويبدأ عمله من الصفر، بعد أن يختار لاعبيه من جنسيات عربية عدة.

هنا لا يجد المتابع لأحداث الفيلم صعوبة في الربط بين ما يجري على الشاشة من رغبة في تكوين فريق يُكمل أفراده بعضهم البعض، ويقوم على التعاون ونبذ الفرقة والتعصب، وينأى بنفسه عن الفردية، ويتحلى بالروح الجماعية وتكريس الالتزام والانصياع لصاحب القرار واحترام القانون وعقاب المُخطئ والمنفلت، وبين ما يشهده الواقع العربي، بين الحين والآخر، من محاولات حثيثة لتوحيد الصف ولم الشمل والبحث عن عوامل تجمع ولا تفرق، ومقومات تُسهم في سد الفجوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير، وتقود إلى تكامل الثروتين البشرية والاقتصادية.

ليس في الأمر مبالغة من أي نوع، ولا تُعد قراءتنا للفيلم محاولة لتحميله بأكثر مما يحتمل من رسائل؛ فالاقتراب من الفيلم يؤكد ما ذهبنا إليه. بل إن اختيار المصري ليكون المدير الفني أو}الكوتش} ليس مصادفة على الإطلاق، والحال نفسها تنطبق على تشكيل الفريق من: مغربي، لبناني، سوداني، كويتي وخليجي ما ينفي عنه العشوائية، ويؤكد الحاجة إلى الوحدة العربية التي لا تتنافى واعتزاز كل عربي بهويته وثقافته وخصوصيته. بل إن وجود الحفيدة {ليلى} تأكيد آخر على دور المرأة العربية الفاعل، وضرورة وجودها في مؤسسة الحكم، والترحيب بمشاركتها في اتخاذ القرار.

بالطبع لم يخل الأمر من مبالغة ومباشرة، وبعض المواقف الميلودرامية الفجة، كالحماسة الهائلة التي دبت في الفريق العربي، والنرجسية التي غادرت بنيانه، والمهارات التي ظهرت فجأة على أعضائه، وقادته إلى هزيمة الفريق الفرنسي في عقر داره، لمجرد أن {الكوتش} بث فيهم روح التحدي بكلمات جوفاء تؤكد مُجدداً أن العرب {ظاهرة صوتية}، فضلاً عن حاجة الممثلين إلى تدريب أداء، وقدرة أكبر على إحكام مخارج الألفاظ. لكن يُحسب للفيلم، الذي كتبه نزار وطد، طموحه الفني ونجاحه في استثمار التصوير لإلقاء الضوء على معالم الأردن السياحية، وتوظيف «الحدوتة» لتمرير رسائل سياسية، كالاهتمام ببث روح التحدي وعدم اليأس، والدعوة إلى الاحتفاء بالمهارة الفردية وصهرها في العمل الجماعي، وتجاوز الهزيمة كخطوة أولى في سبيل تحقيق النصر. وقبل هذا كله، النظر إلى الشباب بوصفه نواة هذه الأمة وحجر الأساس في مستقبلها تماماً كالدور المصري الذي لا ينبغي التغافل عنه أو تجاهله؛ فالمدير الفني هو الذي عاد إلى مصر ليرهن شقته، ويُخصص عائدها لإنقاذ الأكاديمية من عثرتها المالية، وهو الذي أدى دور «المايسترو» وأعاد إحياء روح الجماعة في الفريق وقضى على العصبية والخلافات العرقية والمذهبية، وكان لأشقائه العرب الفضل في استعادته الثقة بنفسه وتخلصه من مرارة الماضي. وجاءت الصورة الجماعية، وأغنيات الراب التي قدمها السوري عمر أفندم والمصري ديب والهولندي من أصل مغربي صلاح الدين، لتعمق رسالة الفيلم وتؤكد فرادة التجربة وطزاجتها.