هناك مثل يقول: "رمى جاهلٌ حجراً في بئرٍ لم يستطع ألف عاقلٍ إخراجَه منها"، ونوري المالكي ليس جاهلاً، بل إنه فعل كل هذا الذي فعله عن سابق تصميم وإصرار، وبالتأكيد قد استشار القيادة الإيرانية قبل أنْ يفعله، كما استشار أيضاً الذين اتفقوا معه، بعد إسقاط نظام صدام حسين، على وضع حدٍّ، كما قال بول بريمر في مقالٍ له نشرته قبل أيام صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، لألف سنة من الهيمنة السنية على بلاد ما بين النهرين.

Ad

وقال بريمر أيضاً: "إن رئيس الوزراء العراقي قد أطلق بعد رحيلنا، أي رحيل الأميركيين عن العراق في عام 2011، حملة طائفية ضد السُّنة، إذْ بعد أربع وعشرين ساعة من رحيل قواتنا أصدر مذكرة توقيف بحق نائبه السُّني، كما أطلق حملةً لتخويف الأكراد، ثم بعد ذلك بدأ بتطهير الجيش العراقي من الضباط المدربين وصولاً إلى مستوى الكتائب أحياناً، وغالباً ما كان يستبدلهم بمناصريه".

وقال الزعيم الكردي مسعود البرزاني في لقاء أجرته الصحافية المعروفة كريستيان أمانبور لفضائية الـ"سي أن أن" الأميركية: "إن الحكومة العراقية لم تطلب منه مواجهة مسلحي (داعش). هذه الحكومة فقدت سيطرتها على العراق"، وأكد، أي رئيس إقليم كردستان- العراق "أن الوضع أصبح معقداً جداً، والمسؤول عن هذا، هو نوري المالكي، ويجب عليه التنحي لأنه هو القائد العام، ولأنه قد بنى لنفسه جيشاً من أنصاره شخصياً لا من أنصار الدولة... لقد تلاعب بالسلطة والقوة... ولذلك فقد كانت النتيجة هي هذه النتيجة".

ونفى البرزاني أن يكون المالكي قد طلب منه أن تشترك قوات الـ"بيشمركة" في القتال إلى جانب الجيش العراقي ضد "داعش"، وقال: "لا بل إنه على العكس من هذا قد عارض أي دعوة لنا لتقديم المساعدة"... وبالتالي فإن الزعيم الكردي قد خَلَصَ إلى القول: "نحن لم نتسبب في انهيار العراق، بل إنَّ غيرنا هو السبب... ولذلك فإنه لا يمكننا أن نبقى رهائن للمجهول... لقد آن الأوان كي يحدد الأكراد هويتهم ورسْمهم لمستقبلهم... إننا نشهد عراقاً جديداً يختلف عن العراق الذي كنا نعرفه قبل عشرة أيام، وإن الأحداث الأخيرة قد أقنعت شعبنا بضرورة اغتنام هذه الفرصة، وإن عليه أن يحدد مستقبله بنفسه".

إذنْ هذا واقع الحال، فالأكراد لم يعد بمقدورهم اتخاذ وضعية المتفرج مادام نوري المالكي قد دفع العراق دفعاً، وعن سابق تصميم وإصرار، نحو التشظي والانقسام، فقواته لم تقاتل لا "داعش" ولا غيرها، وهناك أدلة مؤكدة أنه هو الذي أمر هذه القوات بالانسحاب كيفياً من كل المناطق التي انسحبت منها، وأنه هو، خلال ثمانية أعوام، قد دفع هذا المكوِّن الرئيسي من مكونات العراق أي "العرب السُّنة" دفعاً إلى الثورة والمطالبة بإسقاط حكومته، وأنه هو أيضاً الذي دفع الأكراد دفعاً إلى التلويح بالاستقلال، وكل هذا على ما يبدو ليصبح التقسيم أمراً واقعاً، وعلى أساس دولتين طائفيتين: دولة سنية وأخرى شيعية، ودولة قومية هي الدولة الكردية.

لا يمكن تصديق أن جيشاً عدده مئات الألوف لم يطلق طلقة واحدة، ولم يحاول الدفاع عن مواقعه وعن المدن والمناطق المكلف حمايتَها لو لم تصدر إليه "أوامر عليا" من القائد العام ووزير الدفاع، الذي هو نوري المالكي، بالانسحاب الكيفي وترك آلياته وذخائره وأسلحته لو لم يكن هناك قرار بما قاله بول بريمر، وهو أن "الأميركيين الذين ضغطوا في الماضي لتقسيم العراق قد حصلوا في النهاية على ما كانوا يتمنونه"!.