في أمل
أهل الكويت مجبولون على فعل الخير منذ القديم، فعل الخير صفة أساسية فيهم، لكن مع الانفتاح العالمي الهائل الذي جلب معه تغيرات هائلة حلت محل عادات وتقاليد مجتمع بطبيعته متحفظ وراض بعاداته وتقاليده التي هزتها فجأة موجات من السلوكيات التي لم تكن معروفة من قبل، واستطاعت أن تغيره في غمضة عين، أحياناً كان التغير جيداً وأحياناً كان سيئاً، لكن في الحالتين كان أثر التغير الصادم المفاجئ السريع في حلوله لم يُهضم، فلم يكن هناك متسع من الزمن لتترسخ به وتتغربل حتى تتأصل كسلوكيات لعادات مجتمعية مفهوم التعامل معها، وبالتالي أصبحت هناك ثغرات كثيرة باتت معبراً لتقبل الكثير من الأمور التي كانت لا تُقبل، وليس لها أي مكان في العادات والسلوكيات المجتمعية، ومنها مثلاً ظاهرة الواسطة التي باتت سمة ضرورية لتمرير أي معاملة كانت، حتى وإن كانت أخذت دوراً في طابور للدخول على طبيب أو مسؤول، مما ساعد على انتشار فساد الضمائر والذمم، وأصبح لكل خدمة أو معاملة سعر يقابلها، وبات الفساد يغري الجميع للكسب السهل طالما أن المستثنى بات هو القاعدة والأصل في كل مجال، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، فكله ينفذ على كله لا يمكن فصله عن بعضه، فحينما يحل الفساد لا يمكن أن يُجزأ، وهو ما يدور في الأروقة السرية، وما يكشفه العلن في فضائح الصحف اليومية، ما يعيش المواطن في حالة من الإحباط واليأس، ولا جدوى ترجى من هذا الوضع، فالكل في الكويت تعلم أن يأخذ فقط لا أن يعطي، فهذا الوطن الكريم منح الكثير والكثير لمواطنيه، واستحق أن ينال منهم كل حب وإيثار، لا أن يُغرف بهذه الطريقة التي تعمل على تبديد موارده وتفتيت عضده ولحمة نسيجه.لكن مع كل هذه الإحباطات نجد هناك أناسا يعملون بصمت وبمحبة للبناء والإصلاح من دون أي غرض أو هدف أو مصلحة ذاتية تخصهم لا من بعيد ولا من قريب، فإلى جانب هؤلاء الذين تبرعوا بإقامة المستشفيات المختلفة والمتعددة في تخصصاتها العلاجية من مالهم الخاص، ومن أقاموا القاعات الفخمة في المناطق السكنية لتخدم المواطنين في حفلات الأعراس والمناسبات، ومن يقومون بتقديم البعثات الدراسية والمساعدات في الحياة الاجتماعية المتعثرة للمحتاجين، نجد إلى جانب هؤلاء شبابا قدموا بمجهوداتهم الشخصية عطاءات حب للوطن دون ترجي أي مصلحة أو تكسب من وراء عطائهم هذا، حتى انهم يرفضون الظهور الإعلامي بأي شكل من الأشكال، وهم مجموعة من الأصدقاء منهم المهندس والمعماري والدكتور والمحامي والتاجر والكاتب وطلبة الثانوية، ليس لديهم أي توجه سياسي، فهم يرفضون تلقي الإعانات والتبرعات والمساعدات الحكومية أو الفردية، هم مستقلون ويقدمون خدماتهم التطوعية الإصلاحية من جيبهم الخاص، هدفهم من وراء ذلك هو نشر الوعي، وإيقاظ الشعور الوطني بالاهتمام بالكويت، انضموا للعمل التطوعي من بعد تعرفهم عن طريق موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وكان تجمعهم في أول الأمر حول قضية تغير الصوت الانتخابي الواحد، ثم اكتشفوا عدم جدوى هذه القضية، ومن ثم قرروا أن يقوموا بتقديم خدمات تجميلية للحدائق المختلفة في مناطق الكويت لإعادة تجميلها وترتيبها، ولم يقتصر عملهم على رعاية الحدائق فقط بل امتد ليشمل تجميل الجسور بالدهانات والرسومات الحديثة.
هؤلاء الشباب باتوا قدوة لشباب آخرين أخذهم الحماس للتنافس معهم لبناء وتجميل وتحديث مناطق الكويت المختلفة، فما أجملهم من قدوة خرجت عن المفهوم السائد في الكويت وهو هات، ولتقول لنا خذ هذا العطاء الجميل بلا أي مقابل، مما سيساعد على فتح باب للبناء بشكل جديد ورائع، ويخفف من الموجة الكاسحة التي جرفت الشباب للأخذ والتكسب، بحيث بات في كل بيت طباخ وخبيرة ماكياج وخياطة، مما أفرحني وجعلني أقول إن هناك أملا.ملحوظة: الشكر الكبير لعطاء فردي آخر من مختار منطقة اليرموك السيد عبدالعزيز المشاري الذي خلق حديقة رائعة بمجهود شباب فنانين أعادوا خلق وتدوير المواد المستهلكة بتشكيلات غاية في الجمال تعود العين على تذوق ومعرفة الثقافة البصرية الجمالية، وهو ما يحتاجه الجميع في الكويت حتى يرقى الشعور بالتلقي الثقافي البصري بالإحساس الجمالي.