ما قل ودل: مذبحة غزة... وهزيمة 67 وقضية الصواريخ التي ربطت بينهما
يصعب على المرء أن يصدق أن خطف ثلاثة مواطنين إسرائيليين وقتلهم يمكن أن يكون سبباً للمذبحة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في غزة، والتي راح ضحيتها حتى كتابة المقال ما يزيد على ألف ومئتي شهيد فلسطيني بينهم أطفال ونساء، ولا ريب أن موقف الإدارة الأميركية من هذه المذبحة ليس غريبا عن مواقفها السابقة، واستخدامها الفيتو على كل مشروع قرار في مجلس الأمن بإدانة إسرائيل، إلا أن ما استوقفني هو تعليق كيري وزير خارجية أميركا بأن إسرائيل تعنى بحماية مواطنيها باعتبار ه عذراً شرعيا لهذه المذبحة.
الدفاع غير الشرعي الإسرائيليفالإسرائيلي قدس الأقداس لدى الإدارة الأميركية، وحق إسرائيل في الدفاع عنه وعما تراه في مخيلتها تهديداً لأمنها القومي ولو كان وهماً أو خيالاً، مقدم على كل قواعد القانون الدولي العام.وفي هذا السياق استعدت قواعد القانون الدولي في الدفاع الشرعي التي صاغها الفقه الدولي في ضوء ميثاق الأمم المتحدة، وهي القواعد التي تعرّف الدفاع الشرعي الدولي بأنه حق الدولة باستخدام القوة لصد عدوان مسلح في حال، يرتكب ضد سلامة إقليمها، أو استقلالها السياسي، شريطة أن يكون استخدام القوة الوسيلة الوحيدة لدرء ذلك العدوان ومتناسبا معه.ووفقا لهذا التعريف ولما استقرت عليه قواعد القانون الدولي يشترط في الاعتداء المسلح على الدولة الذي يبرر حقها في الدفاع الشرعي عن نفسها أن يكون اعتداءً واقعاً بالفعل، وهو ما عبر عنه ميثاق الأمم المتحدة بأن يكون حالاً ومباشراً، وماساً بحق الدولة في حماية سلامة إقليمها.فلا يصلح تبريراً لمذبحة إسرائيل خطف ثلاثة مستوطنين إسرائيليين يقيمون على أرض احتلتها هي عام 1967، وأقامت عليها مستوطناتها التي جلبت إليها اليهود من كل أنحاء العالم، فإقامة هؤلاء المستوطنين هي في الأساس إقامة غير مشروعة، وإن القانون الدولي يعترف للشعب الفلسطيني الذي احتلت أرضه في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل، طالما أن المجتمع الدولي عاجز عن إجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، وحل القضية الفلسطينية قد وصلت المفاوضات فيه إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإسرائيلي واستمرار الاستيطان. الصواريخ كانت هدفاًوقد استوقفني أيضا أن الإدارة الأميركية كعادتها قد أبدت قلقها من استمرار العنف من كل الأطراف، بسبب بضعة صواريخ أطلقتها المقاومة الفلسطينية على المدن الإسرائيلية، راح ضحيتها أربعون قتيلا إسرائيليا، فهل هو في نظر الإدارة الأميركية عنف موازٍ لعنف آلة القمع والإبادة الجماعية الإسرائيلية؟لا أعتقد ذلك، وإن كنت أذهب، في هذا الأمر، إلى أن الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، لا يمكن أن تكون قد غابت عن الموساد الإسرائيلي أو المخابرات الأميركية قبل خطف المواطنين الإسرائيليين الثلاثة، وأن السيناريو الذي أعد لهذه المذبحة سببه الحقيقي هو القضاء على هذه الصواريخ في مهدها، وقبل أن يستفحل أمرها، وتصبح تهديداً لأمن إسرائيل، وقد اهتبلت إسرائيل قصة الخطف لتنفذ هذا السيناريو.كما لم يكن السبب الوحيد، للعدوان الإسرائيلي على مصر عام 1967، إغلاق مضيق تيران بخليج العقبة، بل كان السبب الحقيقي لهذا العدوان هو إصرار القوى الغربية على إيقاف تقدم مصر في الصناعات الحربية، فقد كانت مصر على وشك تصنيع الطائرة 200، وهي الطائرة التي كان قد قام بتصميمها البروفيسور الألماني ميسر شميث لشركة هسبانو الإسبانية التي أسمتها إسبانيا "هـ . ا. 200"، وكانت مصر قد اشترت حق تصميمها من إسبانيا.وكان المصممون المصريون وبالاشتراك مع العلماء الألمان قد أدخلوا تعديلات عديدة على الطائرة الأصلية التي صممها البروفيسور ميسر شميث لتصبح طائرة مصرية صميمة، تحت إشراف هذا البروفيسور.وهي طائرة نفاثة تعمل بمحركين نفاثين، كمعامل أمن، فضلا عن إعطاء الطائرة قوة دفع أكبر وسرعة أكثر ومجهزة بمدفعين عيار 12.7 ملم علاوة على مدفع عيار 20 ملم، ويمكن تجهيز الطائرة بأربعة قنابل زنة كل منها 10 كغم.وقد سلمت دفعة من هذه الطائرة إلى القوات الجوية المصرية، وتدربت عليها دفعتان من خريجي الكلية الجوية، قبل أن تشن إسرائيل عدوانها على مصر، وكانت جميع أجهزة المخابرات الغربية والشرقية والإسرائيلية ترصد ما يحدث في مصر، بالنسبة إلى صناعة الطائرات والمحركات وخاصة ما وصل إليه المحرك المصري E300، وكان قد تم الاتفاق بين مصر والهند على تزويد الهند بهذا المحرك لتركيبة على الطائرة "هـ. ف 24 الهندية"، بدلا من المحرك الإنكليزي، مع حصول مصر على الطائرة الهندية المذكورة، وحضر مع الطائرة الهندية إلى مصر طيار هندي يدعى شيرا، عمل في مصنع الطائرات والمحركات لتحقيق هذا المشروع واكتماله، وكان مصنع المحركات، درة فريدة في عقد الصناعات الحربية المصرية.وبدأ المعسكران الغربي والشرقي يشعران بالخطر من تقدم مصر في مجال صناعة الطائرات والصواريخ والصناعات الحربية بوجه عام، وبدأت الدول الغربية بالإعداد لسيناريو المؤامرة لضرب الاتفاق الهندي المصري، وإيقاف تقدم مصر في هذا المجال، والذي كان يشكل خطراً محدقاً بالصناعات الحربية في الغرب، فضلاً عن خطره على إسرائيل، طفل الغرب المدلل، ولضرب زعامة مصر للعالم العربي، وقد كانت السياسة المصرية في الدفاع عن حركات التحرر في إفريقيا ودعمها ماديا وأدبياً، والأفكار والمبادئ الأيديولوجية التي كان ينادي بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، تمثل خطراً على مصالح الغرب... وبالفعل تم إيقاف صناعة الطائرات والصواريخ المصرية عام 1969.