رشدي أباظة... الرجل الأول: الشيطان والخريف (10)

نشر في 08-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 08-07-2014 | 00:02
كان رشدي أباظة قد ارتبط مع يوسف وهبي بفيلم «أولاد الشوارع» قبل رحيل كاميليا، ولم يخرجه من حالة الحزن التي يعيشها حزناً عليها سوى إرسال وهبي في طلبه ليبدأ التصوير، ورغم الحزن المسيطر عليه، قرر رشدي المشاركة في الفيلم الذي كتبه وأخرجه وقام ببطولته يوسف وهبي، وضم إلى جانبه، مجموعة كبيرة من الفنانين الشباب الذين تنبأ لهم وهبي بمستقبل كبير، من بينهم شكري سرحان، فريد شوقي، عمر الحريري، فاخر محمد فاخر، محمد السبع، مديحة يسري، زوزو ماضي، إلى جانب رشدي أباظة.
في أحداث فيلم «أولاد الشوارع» يحاول الضابط فايز تربية طفل رضيع يجده في أحد الشوارع. ويحسن إليه فتتوجه إليه أم الرضيع لتخبره بحقيقة الأمر بأن والده مجرم وأنها اضطرت إلى تركه في الشارع كي لا تتركه للضياع، وتخبره أن والده المجرم يدعى «عربي»، ويتضح أن «فايز» يعرف «عربي» فيحاول الضابط تربية الطفل ويدعوه «تاج». وتمر السنوات وتنتهي مدة عقوبة والده، فيذهب إلى فايز لاسترداد ابنه، لكنه يجد أن حياة تاج قد تغيرت، فيأخذه والده ويعلمه السرقة وينضم إلى إحدى العصابات. لكن عندما يقف تاج في مواجهة بين والده الحقيقي المجرم، وبين والده الذي قام على تربيته الضابط، يضحي بوالده المجرم كي يحيا والده الذي رباه.

رغم إشادة يوسف وهبي بموهبة رشدي أباظة، وبعض المخرجين المصريين والإيطاليين الذين عمل معهم، فإنه ما إن انتهى من تصوير فيلم «أولاد الشوارع»، حتى عاد إلى حياة الضياع. فتوقف الجميع عن طلبه للعمل، من دون أن يدرك السبب، حتى صارحه صديقه سهيل بالحقيقة التي لم يستطع أحد أن يقولها له، بأن ثمة من أوعز إلى المنتجين والمخرجين بأن الملك غاضب على رشدي، ولولا حجم عائلته الكبيرة ورجال الأباظية الذين لهم وجود كبير في صفوف المعارضة المصرية، لتخلص منه. فكان ذلك تنبيهاً غير صريح، بعدم إسناد أي أعمال إلى رشدي، كي لا يعرض من يفعل ذلك نفسه لبطش الملك وحاشيته.

لم يُصدم رشدي في ما قاله صديقه سهيل، بل كان يتوقع ما هو أسوأ منه من الملك، ولم يزده هذا الكلام إلا إصراراً على تحديه للملك، فعاود حياة السهر في الملاهي الليلية، والكازينوهات والفنادق، كذلك عاد ليلفت الأنظار.

جلس رشدي بملابس السباحة أمام حمام السباحة في فندق «مينا هاوس» بعدما خرج من البركة، وما إن وضع سيجارة في فمه ليشعلها، حتى فغر فاه ووقعت السيجارة منه، من هول الجمال والفتنة اللتين شاهدهما متجسدتين في سيدة مقبلة عليه، وزادت دهشته عندما وقفت أمامه وقالت بالفرنسية: ممكن أتعرف عليك؟

ارتبك رشدي، غير أنه تمالك نفسه بسرعة ووقف ورد بسرعة بديهيته وبالفرنسية أيضاً:

لو كنت أعرف حضرتك قاعدة فين كنت جيت لحد عندك جري علشان أنا اللي أطلب أتعرف عليك.

* أنا سمعت عنك. لكن اللي سمعته أقل بكتير من اللي أنا شايفاه. ماعرفوش يوصفوك كويس.

-  خلاص. اسمحيلي أقدم نفسي كويس. أنا...

* انت رشدي أباظة... وأنا فلورانس.

لم تمر دقائق حتى كان رشدي وفلورانس قد تعارفا وجلسا معاً على مائدة في كازينو فندق مينا هاوس، بينما تسمرت عليه نظرات أصدقائه في حسد واضح لهذا الشاب الذي تسعى الجميلات إليه، حتى لو عزف هو عنهن.

عرف رشدي أن اسمها فلورانس وهي راقصة باليه، كانت متزوجة من مدربها الفرنسي الذي يقيم أيضاً في القاهرة، غير أنهما اختلفا وانفصلا، فكوَّنت فريقاً لرقص الباليه تقدم بصحبته فقرة يومية في «الأوبرج» دعت رشدي ليشاهدها فيه.

في الموعد المحدد تثاقلت خطوات رشدي أمام باب الأوبرج، فهنا التقى وأحب آني بريه، تلك الفراشة الرقيقة التي حرمه منها الملك فاروق، ويخشى أن يدخل في علاقة جديدة، فيكون مصيرها مثل اللائي سبقنها، ويحرمه الملك منها أيضاً. لكنه لا يخشى، وكان التأر لا يزال قائماً بينه وبين الملك، لم ينته.

جلس رشدي ليشاهد استعراض فلورانس، ثم استقبلها على طاولته، تحدثا طويلا، غير أنه طوال الوقت كانت عيناه تتجولان في المكان، تترقبان وصوله بين لحظة وأخرى، فلاحظت فلورانس ذلك، فسألته، وكان لا بد من أن يصارحها:

* أيوا حصل. قعدت معاه هنا على ترابيزته أكتر من مرة.

- كانت مقابلات عادية؟

* من ناحيتي أنا كانت عادية... لكن هو كانت نظراته مخيفة وكلامه مش عادي.

- اتقابلتوا بره الأوبرج.

* وجه لي دعوة لزيارة سرايا عابدين... لكن أنا اعتذرت بلطف.

- ماعملش مشكلة... ولا طلب ترحيلك من مصر.

* لا بالعكس. استمر يحضر يشوف الاستعراض. وأحياناً يطلبني اقعد معاه... وأحياناً كتيرة كنت بخلص الاستعراض وأمشي بسرعة. مالك ساكت ليه؟

- بفكر في الراجل دا عايز إيه؟ عارفه فاروق دا ينفع يبقى ابن الذوات الأول في مصر. لكن ماينفعش يبقى ملك على عرش مصر.

* ليه؟

- لأن العرش بالنسبة له سجن. هو بيحب الحرية... وماينفعش يبقى حر في مشاعره وفى نفس الوقت يبقى ملك.

* مش كفاية كلام عن فاروق ومشاعره ونتكلم عن مشاعرنا احنا.

- عندك حق...

* تعرف مين اللي لمس مشاعري بجد وامتلكها.

- مين؟

* انت... انت اللي جننتني.

- وانت كمان نوع مختلف من الستات ماقابلتوش قبل كدا.

أحب رشدي فلورانس، وفي الوقت نفسه زادت كراهيته للملك فاروق، وزاد تحديه وعناده معه، وقرر ألا يجعله يهنأ بمغامرة جديدة، من تلك المغامرات التي كان يسعى إليها فاروق دائماً. فقرر ألا يترك حفلة أو مناسبة، خارج قصر عابدين، إلا ويحضرها ليفسد على الملك مغامراته.

بتكرار وجود رشدي لفت الأنظار، خصوصاً لدى الفاتنات من أبناء الطبقة الارستقراطية، وهو ما لاحظه الملك، وفهمه رشدي. حتى وصل الأمر إلى حوار متبادل عبر نظرات العيون، فراح كل منهما يحاول خطف جميلة من جميلات هذه الحفلة أو تلك، بعدما ذاع صيت رشدي، ليس كفنان، فقد كانت السينما لا تزال بعيدة عنه، فضلاً عن خوف المنتجين والمخرجين من إسناد أعمال إليه فيصيبهم غضب الملك. لكنه لفت الأنظار كأحد وجهاء هذه الطبقة، فضلا عن وسامته وخفة ظله الظاهرة، وإن كان في داخله ابن بلد، وهو ما كان رشدي يتعمد إظهاره، ليس فقط ليلفت أنظار الجميلات، بل ليعلن للملك أنه موجود، فضلاً عن أنه لم يكن يحضر هذه الحفلات أو السهرات بمفرده، بل إمعاناً في التحدي، كان يصطحب فلورانس معه.

لاحظ رشدي أن الملك دائم التردد هذه الأيام على كازينو «حلمية بلاس» الذي ترقص فيه الفنانة تحية كاريوكا، فأدرك فوراً أنه عاود محاولاته للإيقاع بتحية. لكن الأخيرة لم تكن ذلك الصيد السهل، فما كان يعرفه عنها جعله يطمئن عليها. لكنه لم يمنع نفسه من الحضور بشكل يومي لمشاهدتها ترقص. لاحظت فلورانس الاهتمام الزائد بتحية، فكان لا بد من أن تحسم ذلك الشك الذي تسرب إلى داخلها، وواجهت رشدي بذلك، فأكد لها أن ليس في الأمر شيئاً، ولا داعي لهذه الشكوك، فخيرته بين علاقتهما معاً، وبين الاستمرار في متابعة كاريوكا في الأماكن التي ترقص فيها، وهو الأمر الذي رفضه رشدي في المرأة حتى لو كانت جميلة الجميلات، ولم ينتظر أن تنهي فلورانس العلاقة، وقرر هو للمرة الأولى إنهاء علاقة مع سيدة، لأسباب لم يكن للملك دخل بها.

عندما أنهى رشدي علاقته بفلورانس، لم يكن مقرراً أن يدخل في علاقة جديدة، غير أن فلورانس لفتت انتباهه إلى علاقة كانت تنمو في داخله ولم يكن يدري عنها شيئاً، فبدأ يشعر بأحاسيس جديدة تجاه تحية كاريوكا، شعر بأن قلبه تعلق بها ولم يعد يفارقها، أينما وجدت، سواء في الملاهي الليلية أو الفنادق الكبرى، أو حتى مسارح السينما، وهو الأمر الذي لفت انتباه تحية. غير أنها لم تلجأ إلى إيقافه أو إنهائه، فيبدو أنها أحست بمشاعره، وتسربت إلى قلبها المشاعر نفسها، غير أن اللغة التي كانت تتم بينهما إلى الآن هي لغة العيون فقط، فلم يبح أي منهما بإعجابه إلى الآخر، فحاول رشدي التقرب منها، ليكون كتابا مفتوحاً أمامها، وليمحو من تفكيرها ما حاول البعض إلصاقه به من غرور وتكبر، والأهم أنه «زير نساء»:

* أنا ماكنتش أعرف أنك بالظرف واللطف دا.

- ما يغركيش المنظر. أنا ابن بلد وأعجبك أوي.

* وازاي الأباظية سابوك كدا تبقى ممثل.

- دول ناس محكومين بعادات وتقاليد... والباشا عايز ابنه يبقى باشا زيه... والبيه عايز ابنه بيه. يعني عندك مثلا أنا.. لأن بابا ظابط شرطة كبير... كان عايزيني ابقى ظابط زيه. لكن أنا زي ما تقولي كدا طالع لماما.

* اشمعنى؟

- واخد شوية من الطابع الأوروبي. لأن ماما إيطالية ما بتحكمهاش حكاية العادات والتقاليد أوي. وكمان بتحب الفن وتقدره... وأنا زي ما انت شايفه قيما وسيما.

* رجعنا للغرور تاني.

- أعمل إيه؟ دا طبع... هاهاها.

وسط انشغال رشدي بالحب والعشق، نسي أنه فنان مع إيقاف التنفيذ، فلم تعد تعرض عليه أفلام، وهو أكثر ما كان يحزنه، فرغم أنه أصبح ممثلاً بالصدفة، فإنه أحب الفن ووجد أن عالمه وأجواءه الأكثر ملاءمة له ولفلسفته في الحياة. لكن ماذا يفعل والجميع يخشون غضب الملك، وهو الأمر الذي عرفته تحية، ففكرت في حيلة ماكرة يمكن أن تعيد علاقة رشدي بالوسط الفني. فراحت تشيع بمناسبة ومن دون مناسبة، أن رشدي أباظة أصبح أحد المقربين من الملك، لدرجة أنهما لا يفترقان، يسهران معاً كل ليلة، وهي صادقة لم تكذب. لكن في الجزء الأخير فقط من روايتها، وأي إنسان يمكن أن يتحقق من ذلك، إذا ذهب إلى أحد الأماكن التي يرتادها الملك، سيجد رشدي أباظة موجوداً من دون أن يتيقن من شكل العلاقة بينهما. فأصبح كثيرون على علم برضاء «مولانا الملك» عن رشدي. هكذا كان يكفيها أن تشيع هذا الأمر من دون أن تطلب من أحد أن يسند عملاً إلى رشدي. لكن رد الفعل جاء سريعاً، وطلبه المخرج عمر جميعي ليعمل معه في فيلمه الجديد «أولادي» من تأليفه وإخراجه.

أسند عمر جميعي دوراً صغيراً إلى رشدي أباظة في الفيلم الذي شارك في بطولته كل من مديحة يسري، شادية، زكي رستم، زوزو شكيب، كمال حسين، محمد توفيق، وببا إبراهيم. ودارت الأحداث حول رجل تموت زوجته وتترك له ثلاثة أولاد، فتنصب الخادمة شباكها حول الرجل حتى يقع في حبائلها وتتزوج منه. غير أنها تخونه مع آخر. وتكتشف ابنة الرجل هذه العلاقة الآثمة، وقبل أن تفكر في الانتقام لوالدها تُقتل الخادمة، وتتهم فيها ابنة الزوج. غير أن الأقدار توقع بالقاتل الحقيقي الذي يتضح أنه شقيق الخادمة، الذي قتلها بعد مرات ابتزاز عدة وتهديدها بكشف علاقتها بعشيقها لزوجها. وتعود الابنة إلى حضن والدها ويجتمع شمل الأسرة مجدداً.  

رغم حياة اللهو والسهر التي كان يعيشها رشدي، إلا أنه كان أكثر التزاماً عند إسناد عمل إليه، فكان يصل إلى مكان التصوير قبل الجميع، ولا يغادره إلا بعد التأكد من أنه لم تعد هناك حاجة لوجوده. ورغم أن دوره في الفيلم كان قصيراً، ليس بحجم أدواره السابقة، فإنه كان يحرص على الوجود كل يوم في الأستوديو، فقط ليشاهد الفنان زكي رستم وهو يؤدي دوره أمام الكاميرا، ما جعل زكي رستم يلاحظ ذلك، فاقترب منه، ووضع يده على كتفه وربت عليه قائلاً:

* شوف يا رشدي يا بني أنا عايز أقولك على حاجة تخصك كممثل... بس أوعى تتغر.

- يا أستاذ زكي اللي يشوفك وانت واقف قدام الكاميرا ينكسف من نفسه لو فكر أنه يمثل.

* هاهاها... مش للدرجة دي يا رشدي. احنا بنجتهد والتوفيق من عند ربنا. لكن اللي بدي أقوله لك خد بالك من نفسك لأنك هاتبقى في يوم من الأيام من أهم الممثلين في مصر.

لمعت دمعتان في عيني رشدي أباظة، وأمسك بيد زكي رستم وكاد أن يقبلها، بعدما سمع منه هذه الشهادة، التي لو أنه درس في أكبر المعاهد الفنية والأكاديميات، لن يحصل على مثلها.

كان انشغال رشدي بالفيلم سبباً في ابتعاده عن السهرات اليومية، وبالتالي ابتعاده عن تحية كاريوكا، فلم تكن العلاقة توطدت بعد، ما كان سهلاً عليه أن يغيب عن رؤيتها طوال فترة تصوير الفيلم.

في الوقت نفسه لم تهتم تحية بمعرفة أين اختفى فجأة رشدي، رغم إعجابها به، بل ركَّزت في عملها وما ارتبطت به من عقود جديدة، فراحت تصور فيلمها الجديد «عيني بترف» من تأليف عباس كامل وإخراجه، أمام كارم محمود وسعاد مكاوي ومحمود المليجي. وقبل أن تنتهي منه ارتبطت بفيلم آخر بعنوان «أيام شبابي»، من سيناريو جمال مدكور وإخراجه، وبطولتها أمام شادية وكمال الشناوي ومحمود المليجي وعزيز عثمان. وما إن تقاضت القسط الأخير من الفيلم، حتى خرجت من شركة الإنتاج واتجهت إلى «إيزاك الجواهرجي» لشراء «خاتم» من الألماس. دخلت المحل حيث وجدت رشدي أباظة أمامها:

* إيه دا... رشدي أباظة في محل ايزاك الجواهرجي. يبقى أكيد هانسمع خبر حلو قريب.

- أهلا توحة... هو فعلا فيه خبر حلو جدا.

* خير ما تفرحنا معاك.

- الخبر يا ستي هو أن تحية كاريوكا منورة دلوقت محل ايزاك الجواهرجي... وبعدين إيزاك يبقى صاحبي. يعني طبيعي أبقى موجود هنا... لكن انت بتعمل إيه هنا؟

* أنا يا سيدي من وقت للتاني آجي أقعد شويه مع إيزاك وبالمرة أشوف إيه الجديد عنده.

- لكن انت اختفيتي فجأة ليه؟

* أبدا أنا موجودة. بس كنت مشغولة بتصوير فيلمين.

- الله أكبر... فيلمين مرة واحدة. وغيرك مش لاقي مشهد.

* عينك يا أبو الرشد.

- أنا مش بحسد والله. وعلشان أثبت لك حُسن نيتي... أنا عازمك ع العشا النهاردة.

* موافقة بس بشرط... على حسابي.

- على حسابك!! يظهر إنك ماتعرفيش مين هو رشدي أباظة.

البقية في الحلقة المقبلة

سميحة توفيق

اعتادت تحية أن ترى رشدي في الصف الأول أمام المسرح وهي ترقص، تنظر إليه مبتسمة، فيبتسم لها، فتبدع في فقرتها الراقصة. غير أن رشدي لم يتمالك نفسه في هذه الليلة، فما إن شاهد تحية ترقص وتبدع في رقصها، حتى تناول «عصا» من أحد الحضور وقفز إلى خشبة المسرح وراح يرقص أمامها، فألهب أيدي الحضور بالتصفيق، ولم تمر لحظات من عودة رشدي إلى طاولته حتى توقفت الموسيقى، وسلطت الأضواء على باب الدخول، وضجت الصالة بالتصفيق، فقد حضر الملك فاروق.

أنهت تحية رقصتها، واتجهت إلى الملك وقدمت التحية، ثم انصرفت واتجهت إلى طاولة رشدي أباظة، التي كانت تنتظرها عليها صديقتها الممثلة الشابة سميحة توفيق، التي ما إن لمحها الملك، حتى راح يتفحصها من أسفل إلى أعلى، فلاحظت تحية نظرات الملك لسميحة فعرفت الرسالة، وما يمكن أن يحدث بعد هذه النظرات، فقامت تحية على الفور وأخذت سميحة من يدها، واتجهت بها إلى باب الخروج:

* اسمعي يا سميحة. انت لازم تمشي دلوقت فوراً.

- ليه؟ مش هانمشي سوا؟

* لا أنا لسه هارقص تاني. بس انت لازم تمشي.

- فيه إيه ماتفهميني؟

* بعدين هافهمك. بس أمشي دلوقت.

- ماهو انا لازم أفهم. انا عملت حاجة زعلتك.

* يا حبيبتي انت ماعملتيش حاجة انا خايفه عليك.

- من إيه. بصراحة كدا... ممكن تقوم خناقة كبيرة دلوقت بين رشدي وواحد من رجالة الملك. وممكن الحكاية تبقى فيها دم... أنا هاخلص رقصتي وهاحصلك... أقولك روحي عندي البيت استنيني هناك. أنا مش هاتأخر... بس لازم تمشي دلوقت.

كانت سميحة توفيق لتصبح إحدى ضحايا الملك فاروق في تلك الليلة، فلم يكن الملك ليسمح بأن تخرج من الأوبرج إلا على «استراحة الهرم» لتكون واحدة من «الحريم». ولكن هذا لم يحدث بسبب تحية كاريوكا التي تعرف نظرات الملك جيداً، وما يتبعها، فأنقذت سميحة من تلك «المفرمة». فقد ظن الملك أن سميحة صيد جديد لرشدي أباظة، فكان لا بد من أن يلقي بشباكه حولها ليلتقطها قبله... فالصراع كان دائراً بينهما على الجميلات سواء من داخل الوسط الفني أو خارجه.

back to top