الموهبة والصنعة
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
فهو بالتأكيد يجيد الصنعة ويستطيع تحليلها وتدريسها ويفهم مدارسها وأساليبها أكثر من الكاتب. أما لماذا يفشل في كتابة نص ابداعي فلا إجابة عن ذلك سوى انعدام الموهبة. فبالرغم من امتلاك جميع أدوات الصنعة لا يساعده هذا الامتلاك على إجادة نص ربما ينجح فيه مبدع يدرس على يديه.لو كان الأمر يعتمد على الصنعة فهذا يعني أن دارسي الأدب وصناعة الأدب هم وحدهم الشعراء والروائيون وهو ما يناقض واقع الحال. فأغلب المبدعين هم في التكوين التعليمي أطباء ومهندسون كان تأسيس صنعتهم بعيدا جدا عن مجال ابداعهم. عبدالرحمن منيف مثلا خبير بترول ويوسف ادريس وابراهيم ناجي أطباء وغيرهم في اللائحة كثر ومنهم بثينة العيسى خريجة الادارة. ما يشغلني أكثر من الموهبة وعلاقتها بالصنعة الأدبية هو الخيال الأدبي وهو الركيزة الأساسية للعمل الروائي والشعري أو الابداعي بشكل عام.وهو ما لم نستطع الاحتفاء به كما يجب في العالم العربي مقارنة بالعالم الغربي لأسباب أهمها طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية والدينية التي نعيشها. وكان التركيز الأدبي الأكبر في تسليط الضوء على قضايا وهموم المواطن العربي، فجاء نصيب الخيال الابداعي أقل بكثير من الطموح. وأنا أقرأ رواية "العمى" لساراماجو غبطته على قدرته على التحرر من العبء السياسي والاجتماعي الذي نعيشه ونحاول تناوله كجزء من قضيتنا الأهم والكبرى.الملاحظة الأخيرة هي اعتماد بعض الروائيين على الصنعة الأدبية، ورغم امتلاكهم للموهبة الابداعية، طغت الصنعة على أعمالهم فلم تكن مقنعة للقارئ حتى وان نفخ في هذا الكاتب بعض النقاد الكثير من المديح ومحاولة الثناء الفارغ الا أنه بقي يعاني من ثقل الصنعة والافتعال. ولهذا توقفت هذه الأسماء أو لم يعد يتناول كتاباتهم أحد رغم الادعاء بأنها أعمال واقعية وكأن الواقع لا يمكن صياغته بعيدا عنه أو بشكل مواز له.ما يجعل الأديب يعتقد أنه تحول الى صانع أدب ليس احساسه بانخفاض موهبته وانما بتمازج هذه الموهبة وصنعته حتى فقدانه القدرة على التمييز بينها.