إن الدول الديمقراطية هي الدول المستقرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لأن الصراع السياسي يكون ضمن قنواته الطبيعية، أما الدول الاستبدادية، دول الحكم الفردي المطلق، فهي إلى زوال لأنها ضد روح العصر.  

Ad

 الأنظمة الديمقراطية المتطورة تُبدع في تنظيم الصراع السياسي على السلطة، بحيث يكون هناك توافق وطني عام حول آليات الوصول إليها وطرق ممارستها، فالقرارات العامة لا يتخذها أفراد بحسب أهوائهم الشخصية وأمزجتهم المتغيرة، بل تحكمها قواعد وقوانين وأنظمة يشارك في صنعها الجميع بكل شفافية، كُلٌ حسب موقعه ودوره من خلال مؤسسات دستورية قوية وفاعلة، فالوطن لجميع مواطنيه.

 لهذا فإن الدول الديمقراطية الحقيقية لا تعاني اضطرابات سياسية عاصفة ومُدمرة تُعطل تقدمها، وليس معنى ذلك اختفاء الصراع الاجتماعي-الاقتصادي الذي سيظل موجوداً طالما بقيت المجتمعات البشرية مُنقسمة بحسب المصالح الاجتماعية والاقتصادية.

أما في الأنظمة الدكتاتورية والمُتخلفة فيتم احتكار السلطة والثروة معا من القلّة التي تستأثر بمقدرات الوطن، وتتخذ القرارات في غرف مغلقة بمعزل عن أغلبية أفراد المجتمع الذين يتم استبعادهم وتهميشهم سياسيا واقتصادياً، بحيث لا يكون لهم أي دور مؤثر في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، فتفقد السلطة شيئا فشيئا قاعدتها الشعبية.

 لهذا يتنامى الغضب الشعبي بشكل تراكمي حتى يصل إلى نقطة الانفجار التي لا تحتاح ساعتئذ إلا لشرارة بسيطة لتشتعل على شكل انتفاضة أو ثورة شعبية عارمة، مثلما حصل في تونس عندما أشعل البوعزيزي النار في نفسه، فكانت الشرارة التي فجرت الثورة التونسية.

لم يكتب التاريخ قط أن حكما استبداديا طاغيا قد استمر لفترة طويلة، فالطغاة يذهبون من غير رجعة والشعوب هي الباقية، كما يقول الشاعر الكبير الجواهري " باقٍ، وأعمارُ الطغاة قصار من سِفرِ مجدِك عاطرٌ وموارٌ"، ولكن المشكلة أن الأنظمة الاستبدادية لا تذهب إلى مزبلة التاريخ إلا بعد أن تقوم بعملية تدمير ممنهج للبُني الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في المجتمع، وهو ما يطلق عليه البعض "عملية تجريف سياسي وثقافي" تحتاج لسنوات طويلة كي يتم تجاوزها والبدء ببناء الدولة الجديدة، وهي مرحلة انتقالية شاقة للغاية ومرهقة جداً، حيث إنها لا تسير في خط مستقيم وتواجهها عقبات كثيرة داخلية وخارجية، وهو الأمر الذي نشاهده الآن في دول عربية مثل العراق وليبيا واليمن وسورية ومصر وتونس، ولكن من المؤكد أن الشعوب العربية ستتجاوزها مهما كانت التضحيات.

قصارى القول، إن الدول الديمقراطية هي الدول المستقرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لأن الصراع السياسي يكون ضمن قنواته الطبيعية، أما الدول الاستبدادية، دول الحكم الفردي المطلق، فهي إلى زوال لأنها ضد روح العصر.