بدأ محمد الفايز حياته الأدبية في كتابة القصة القصيرة، ثم انتقل إلى كتابة الشعر ونشره في الصحف الكويتية والعربية، لا سيما في جريدة «الشعب»، وعندما أُغلقت أُوصدت معها عاطفة الأدب في نفسه، كما يقول، ولم يكتب من الشعر سوى بعض القصائد التي نشر بعضها في صحف أدبية.

Ad

وعندما ظهرت الصحافة في الكويت، كتب قصته الأولى {ذهب إلى بلده}، ومن تلك اللحظة لم يتوقف فيض الكتابة ، حتى اعتبر الكتابة حياته، إذ كان يعيش حياته كتابة في كتابة، فكان يكثر منها، رغم عدم رضاه عن بعضها.

 تعبير عن حاجة

 كانت في رأس محمد الفايز أفكار كثيرة، ففي بداياته تسمعه ثائراً وهو يتحدث إليك، يعصر الكلمة حتى تخرج منها عصارة ما يعنيه، وإذا قرأها شعراً حاول أن يغنيه. وبعض أفكاره قد تكون غريبة لكنها تعبر عن حاجة... ففي إحدى المرات أراد محمد الفايز أن يغني، فعرض ذلك على بعض العاملين في الإذاعة، فردوا عليه بالضحك. وكان الفايز يريد من ذلك إيصال صوته للناس، ولأنه لم يستطع أن يوصل للبعض ما يريده بالقلم اختار طريق النغم.

حكاية طويلة

 اسمه الثلاثي محمد فايز العلي من مواليد 1938. بدأ حياته العلمية من خلال {الملا}، وتعلم القرآن الكريم والقراءة.

 يقول عن بداياته وطفولته: {كنت ابن تسع سنوات... وكأي طفل آنذاك، كنت ألازم النساء، لم يكن أمامي غيرهن... خالات وعمات وأهل الديرة، ومن خلال ما كنت أسمعه كنت ألتقط الكلمات وأحورها على مزاجي وأتصرف فيها... هكذا كانت علاقتي بالكلمة المنظومة، إلى جانب تأثير القرآن الكريم الذي حفظته عن ظهر قلب}.

 نهل من بطون كتب التراث، وحفظ من دواوين الشعر لفحول الشعراء، افتتن بالمتنبي الذي يعتبره معلمه الأول، وحفظ شعره، وكان يلقيه على أصدقائه في جلساته الخاصة. أغرم بالقراءة ابتداء من امرؤ القيس وأبي تمام وشوقي وانتهاء بالمتنبي، واتجهت قراءاته في معظمها إلى الشعر العربي الكلاسيكي.

 يقول الفايز عن تجربته مع الشعر: {حكايتي مع الشعر حكاية طويلة، بدأت عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، وكنت أشعر بدوافع نفسية تدفعني إلى التأمل والغضب الذي لا أستطيع تفسيره. ولما عجزت الظروف عن تفسير ذلك، عمدت إلى عيون الشعر استلهمها الراحة النفسية وأدفع عن نفسي القلق المستمر فوجدت ضالتي في ديوان المتنبي}.

 واستطرد في التأمل بإرث المتنبي: {شخصيته وأفكاره وكلماته أضاءت في نفسي بقية من أمل، رغم أن كثيراً من مفرداته وأفكاره كانت غامضة، ما جعلني أقضي ساعات في البحث والتفكير، لذا قامت بيننا صلة روحية. وهنا اكتشفت أن المتنبي هو البداية الجديدة للقصيدة العربية الحديثة}.

 هجر القصة

 يقول الدكتور محمد حسن عبدالله: {بدأ الفايز قاصاً، يوقع قصصه باسم {سيزيف}، وانتهى شاعراً يضع اسمه فوق قصائده. هجر القصة بعدما كتب أكبر عدد ينسب لقصاص كويتي حتى اليوم. وقصص الفايز لا تعكس ملامح شاعر في سبيله إلى أن يولد، هي بالأحرى صورة واقعية سريعة {اسكتش}، أهم ما تحققه هو التركيز في العبارة والشخصية والزمن والموقف، وقد لا تتضمن حدثاً على الإطلاق، بل قد لا تعني القصة شيئاً أكثر من أن تصور لحظة زمنية ليس لها ما يميزها}.

نشر الفايز 34 قصة في أقل من ثلاث سنوات، بعضها في مجلة الرسالة (1964-1963) منها: {قصة أم عبدالله، طيبة، الفيلسوف، الرسام، امرأة من عطور، البحار، الزوجة الثالثة، الفحام، عندما تموت الأرض، رسالة بلا عنوان}. البعض الآخر في مجلة الكويت وفي مجلات أخرى (1964-1965) منها: {قصة القدر، رفاق الخيمة، الأرض والتفاح، القصر، الزوجة، ثوب العيد}.

 ... إلى الشعر

 يقول الناقد إبراهيم عبدالله غلوم: {يعتبر محمد الفايز أحد الكتّاب الذين تعبر تجربتهم الأدبية في القصة القصيرة عن تعايش القيم الفنية والفكرية، التي تضطرب بين تقاليد رومانسية وأخرى واقعية، قدر له أن يبدأ الكتابة مع بداية الستينيات من القرن العشرين، ليستشف كثيراً مما جاءت به الفترة من قلق وحيرة وتردد وعشوائية}.

بعد ذلك انتقل إلى كتابة الشعر، فنشر 18 مذكرة وجمعها وصدرت في ديوانه الأول {مذكرات بحار}، (1962) تحت اسم {سيزيف}، وعندما لاقى هذا الديوان الإعجاب أعاد نشره باسمه الحقيقي محمد الفايز، فنال شهرة وانتشاراً في الدول العربية، وتُرجم إلى اللغة الفرنسية.

تناول الفايز في الديوان وقائع حياة البحارة على السفن الكويتية، وما أحاط بها من عناء وكفاح في أعماق البحر، ومع العواصف وثورات الأمواج، وصَوّر جوانب الصراع الشرس مع كائنات متوحشة تجعل الحصول على الرزق محفوفاً بحراب الموت، ورفع الشاعر هامة هؤلاء البحارة الذين بذلوا دم القلب ونور البصر في تلك المعارك الضاربة، رغم شظف العيش على الأرض وفوق أخشاب المراكب.

اتسعت الرؤية في {مذكرات بحار} التي غناها لاحقاً المطرب شادي الخليج عندما امتد الكلام عن البحار إلى تاريخ الوطن وأحوال الناس على الأرض وفي المدينة، فالشاعر يرى الكويت بكل ما فيها، وتدور أنشطة أهلها في التجارة والصيد والغوص في حومة وسط هدير الأيام.

دواوين شعرية

أصدر محمد الفايز دواوين شعرية عدة أبرزها: {مذكرات بحار (1962)، النور من الداخل (1966)، الطين والشمس (1970)، رسوم النغم المفكر (1973)، بقايا الألواح (1978)، لبنان والنواحي الأخرى (1980)، ذاكرة الآفاق (1980)، حداء الهودج (1981)، خلاخيل الفيروز (1984)، صدرت له المجموعة الشعرية في عام 1989 وصدر له ديوان (تسقط الحرب)، {خرائط البرق} وهو آخر ديوان له صدر بعد وفاته عام 1998 بدعم من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

 ترجمت منظمة اليونسكو {مذكرات بحار} إلى الإنكليزية والفرنسية... وترجم المستشرق الفرنسي جاك بيرك بعض قصائد ديوان {النور من الداخل} و{مذكرات بحار} إلى الفرنسية.