معلهش يا زهر
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
{حدوتة} بسيطة يمكن تلخيصها في سطور قليلة عن {صابر}، الذي أنصفه المفتش {زهير} (سراج منير) الجار القديم لزوجته، ورد له اعتباره، وهو الموظف الخلوق، الدؤوب والمجتهد، الذي لم يشك يوماً أو يتضرر مما يفعله به زملاؤه، لكن إنصافه أثار غيرة الزملاء وحقدهم،الذين لم يجدوا غير زوجته ليشككوا في أخلاقها، ويستبيحوا عرضها، وعندما ظهرت الحقيقة رفض العودة إلى وظيفته، واتجه إلى العمل الحر، الذي لم يقتنع به يوماً؛ بدليل رفضه اقتران {حسني} بابنته {نجفة} لأنه غير موظف، ولا يقبض راتباً كل شهر!غير أن المخرج بركات انطلق من {الحدوتة} ليبث رسائل أخلاقية واجتماعية عدة؛ مثل: حث المجتمع على ضرورة إعادة النظر في مقولة {إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه}، ونبذ الوساطة في العمل، وإنصاف الأكفاء والمجتهدين، والثناء على الصابرين، الحامدين والشاكرين ربهم، وهي النبرة التي كانت شائعة في سينما الأربعينيات والخمسينيات، لأجل تكريس الطبقية، والحيلولة دون قيام الفقراء بثورة ضد الأغنياء، بحجة أن الله كتب عليهم ما هم فيه، والخروج عنه يعني إغضابه، وهي النظرية نفسها التي توحي لمتابع أفلام تلك الفترة (قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952) بأن العلاقة بين الفقراء والأغنياء كانت على خير ما يرام؛ فالمفتش صاحب الجاه والهيبة والنفوذ يتذكر جارته القديمة، ويتعاطف مع زوجها، ويسعى إلى إصلاح أحوالهما الاقتصادية المتردية، ليس لأنه شرير أو طامع في جسدها، كما جرت العادة بعد ذلك، بل لأنه دمث الخلق و{ابن أصول} يحفظ العشرة القديمة!في فيلم {معلهش يا زهر} وصف دقيق لملامح الحياة في حقبة الأربعينيات، وللطبقة المتوسطة بشكلها المسالم، وسلوكياتها المتحفظة، وتقاليدها الصارمة، ولولا الأغاني الأربع التي لم يكن لها أي داع سوى استغلال وجود المطرب كارم محمود والمطربة شادية ومحاولة توظيفهما في {دويتو} غنائي، لكانت النتيجة أفضل بكثير؛ خصوصاً أن قيمة الفيلم الحقيقية تكمن، في رأيي، في إعادة اكتشاف الممثل المخضرم زكي رستم، وتقديمه في شخصية جديدة لم يألفها الجمهور؛ حيث أظهر قدرة كبيرة على تلوين انفعالاته بين الموظف المغلوب على أمره، القانع بمصيره، والسعيد لأن الله كافأه على صبره، وجهده، ثم المقهور لأن ابنته هربت مع حبيبها، وهي فضيحة في عرف الحارة المصرية، ووصمة تطارد الأب طويلاً. لكن بركات المثالي، تجاهل هذا كله، ودفع {نجفة} إلى العودة إلى أحضان والدها، ومعها حفيده، في نهاية مفتعلة، وغير منطقية، كونها تتعارض وتقاليد وموروثات تلك الفترة، رغبة منه في الوصول إلى النهاية السعيدة السائدة في سينما تلك الحقبة، واستكمال العظة الأخلاقية التي اختتم بها الفيلم، وتهيب بكل أب أن يُكمل رسالته التربوية، ويعلم حفيده كيف يبتسم للحياة!