أحيانا أجدني في جدل صاخب مع بعض أصدقائي المقربين جداً حول ما أكتبه هنا في هذه المساحة الصغيرة من الجريدة،

Ad

يتمحور هذا الجدل في الغالب حول بعض انتقاداتهم التي ترى وكأنني آت من عالم آخر، عالم لا يشبه عالمنا هذا ولا يتقاطع معه،

يقولون إن لا همّ لي سوى الكتابة عن... الحب!

يأخذون علي أنني منشغل بالحب عمّا سواه...

عيناي لا تبصر الجثث الممددة في الشوارع دون كفن،

أنفي لا يشم رائحة الدماء التي تتجوّل في الأزقة كمرثية تبحث عن مأوى،

ولا أختنق كما يفترض برائحة البارود التي أدمنتها كل رئة، ولا أتوجس خيفة على رأسي من أحد البراميل التي تمطرها السماء والمعبأة بالمتفجرات، ولا أحمل مظلة للوقاية منها!

لا يذرف قلمي دمعاً على الأطفال الذين أُحِل لهم أكل الميتة من الحيوانات أو حتى البشر!

لا يصيح حرفي بملء حبره في وجه السيارات المفخخة التي تحصد الأبرياء في شوارع بغداد وبيروت والقاهرة، ناهراً إياها عن فعل مثل هذا السلوك المشين في حق الحياة!

لا ترتعد فرائص كلماتي فيما هناك مئات الآلاف من اللاجئين السوريين يموت بعضهم متجمداً من الثلج بشهادة خيمة لا حول لها ولا قوة،

أهيم في وادٍ أخضر لا يشبه وادي الموت الذي يحاصر أنفاسنا من كل حدب وصوب،

أمجّد الحياة بالحب، في الوقت الذي يشيّد فيه الفناء سرادق من الكُره،

أغنّي لزهرة بينما يقض مضاجعنا نشيد الجفاف،

يلومونني لأنني أغرّد خارج السرب!

وعادةً ما أجيبهم:

أنتم على حق...

ولأنكم كذلك يزداد إيماني بما أفعل!

نعم... نحن نتنفس رياح الموت بدل أن نستنشق رائحة الحياة،

نحن مسوّرون بالدماء الشائكة بدل أن نُحاط بضحكات أطفالنا الصغار،

تصم آذاننا أصوات الرصاص والقنابل، عوضاً عن أن نشنّف أسماعنا بحديث الموسيقى،

نعود إلى بيوتنا آخر اليوم مذهولين مرعوبين محملين بصناديق بالأسى، بدل أن نعود محملين بعلب الهدايا الصغيرة لزوجاتنا وحبيباتنا،

نحن لا نشاهد فقط كل يوم مباني تتهاوى وتسقط جراء حادث تفجير عابر، وإنما نرى ذات المشهد لقيم إنسانية، وحياة آدمية لا يبقى منها سوى... الغبار، ولا يرتفع بعدها فقط أعمدة الدخان، وإنما أعمدة الشر البشري المدمّر لكل ما يستحق أن يُعاش على هذه الحياة.

مؤمن أكثر من أي لحظة مضت أن ما أوصلنا إلى حافة الموت، ليس اختلاف الأيديولوجيات، ولا الديانات ولا المذاهب، ولا المصالح، ولا الأعراق، إنما أوصلنا إلى هذا الانهيار عدم قدرتنا على... الحب!

الحب... وليس سواه هو الوسيلة الوحيدة لتمجيد الحياة،

لن نعرف كيف نحزن على زهرة حين يعتصرها الذبول إن لم نحب،

لن نعرف كيف ننحاز لصوت كمنجة ضد صوت راجمة صواريخ إن لم نحب،

لن نتألم ليُتم طفل،

ولا لحداد زوجة،

ولا لوجع أم،

ولا لكحل عاشقة... إن لم نحب!

إن كل وسائل الإعلام على اختلافها تقدم لنا كل ثانية نشرة مفصلة بالدمار والموت وما خلّف الكُره، فما ضرّ لو تُفتح نافذة صغيرة للحب هنا... أو هناك!