حكاية

نشر في 11-06-2014
آخر تحديث 11-06-2014 | 00:01
 علي محمود خاجه جلس في منزله وحيداً بعد أن انفضّ الجمع من حوله، وكيف لا ينفضّ هذا الجمع وهو الذي لم يقم إلا على المصلحة والمال ولا شيء سواهما، وما إن تلاشت تلك المصلحة حتى تلاشوا معها.

أخذ يفكر بالأيام والسنوات التي مضت عندما شرع أولاده في تولي إدارة مؤسسته الضخمة رغم قلة فهمهم وإدراكهم، وهو يعلم تمام العلم قلة الفهم تلك، فهو الذي حرص ومنذ نعومة أظفارهم على أن يُستثنوا من كل شيء، فلم يحسن تعليمهم ومكنهم من الحصول على كل ما يشتهون، ولم يقدم لهم سوى قاعدة واحدة للحياة، وهي أن المال هو الوسيلة والغاية وهو الذي يحقق لهم كل شيء. قدم لهم الإدارة دون عناء ليرتاح هو من مشقتها وهمومها، نصحه أصدقاؤه مراراً بأنهم (الأبناء) غير مؤهلين أبداً للإدارة، فهم لم يتعلموا أسسها، فكان يرد عليهم بآية كريمة مغلفة بابتسامة ثقة "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، وبعد أن تكرر نصح الأصدقاء وسئم من إزعاجهم استبدلهم بجوقة يقولون ما يشتهي أن يسمعه فقط.

كان يشاهد أبناءه وهم يتنافسون على الإدارة دون الاهتمام بتطويرها وتوسيع رقعتها، كان يعتقد أن تلك المنافسة ستجعل أحد الأبناء أكثر استحقاقاً من غيره، متناسياً أن منافستهم كانت ترتكز على السيطرة وليس المحتوى، وشغلتهم تلك المنافسة، وأخذت تستنزف كل موارد مؤسسته التي بناها آباؤه وأجداده.

مرت السنوات وازداد طمع الأبناء ورغبتهم في السيطرة على المؤسسة بكاملها، فالأموال تناقصت ولا مجال للشراكة أبداً، ولا بد من أن يقصي أحدهم الآخر متجاهلين مع فورة المنافسة أنه لم يعد هناك شيء أصلاً يتنافسون عليه، فمؤسستهم لم تعد قادرة أصلا على الاستمرار في إشباع أدواتهم التي استأجروها لتعزيز مواقعهم ونفوذهم، فكانت النهاية.

تلك الحكاية شبيهة بكثير من الحكايات التي رويت لنا منذ الصغر، مقروءة كانت أو مصورة، وإن اختلفت التفاصيل إلا أن النهاية واحدة، فسوء التصرف يعقبه سوء النتيجة، لماذا لا نتعلم إذاً؟ ما المختلف الذي نتوقعه كنتيجة لسوء التصرف؟ هل يجب علينا جيلاً بعد جيل أن نعيش مرارة نفس الأخطاء كي نتعلم منها رغم علمنا بالنتائج الحتمية مسبقاً؟

لماذا لا نأخذ بنصائح المخلصين؟ ولماذا نسلم من لا يستحق الإدارة؟ ولماذا نلجأ إلى المنافقين ليجملوا لنا أخطاءنا وهفواتنا؟ ولماذا تدور هذه الدائرة دائما دون عبرة تطبق فعلا؟

من لا يستحق الإدارة ينبذ ومن ينصح بصدق يقرّب والمنافق يبعد، تلك هي الأسس والأصول لنتمكن من الارتقاء، ولا بديل لنا عن هذا الطريق قبل أن تنتهي الحكاية.

back to top