وثيقة لها تاريخ: قائد «بيرسوس» للشيخ مبارك: «إن كان الهجوم بر أو بحر أنا اكفي لكم»
لم يكن في وسع الشيخ مبارك الصباح أن يسكت أمام التهديد العثماني، أو أن يخضع له، فمطالب الدولة العثمانية غير منطقية وغير معقولة بالنسبة له، فالخيار أمامه أن يترك الكويت إلى خارجها، أو أن يسافر إلى إسطنبول ليتم تعيينه عضواً في مجلس الشورى العثماني ويترك الحكم في الكويت، أو أن يواجه هجوماً لخلعه من الحكم. وكما رأينا في الحلقة السابقة والتي قبلها، فقد رد الشيخ مبارك بقوة وشجاعة وثقة كبيرة، وانتقد الدولة العثمانية، وأبلغها "مالكم عندي نصيب"، بمعنى أنه لا يمكن الخضوع لمطالبكم. وفي نهاية اللقاء مع القائد العثماني الذي هدد الشيخ مبارك في وجهه مباشرة، أمر الشيخ مبارك وابنه الشيخ جابر المبارك الضابط التركي بالخروج فوراً، ونهياه عن التفاخر بالقوة العسكرية العثمانية. فقام بعد ذلك القائد العثماني وخرج من اللقاء وهو في شدة الغضب، وركب سفينة صغيرة من نوع جالبوت أقلته إلى سفينته العسكرية الكبيرة. بعد ذلك يقول علي بن غلوم رضا في رسالته:"قام القبطان من خدمة الشيخ مبارك، ركب جالبوته، وراح الى مركبه، باقي من النهار ساعتين، مشا (مشى) من الكويت يكون عازم الفاو يضرب تيل (برقية) الى البصرة، يكون يساعدون في مراكب وعسكر هذا قصده. فورا الشيخ أرسلني الى القبطان منور يكون اخبره عن ما قال القبطان مركب زحاف الحقير، فورا وصلنا الى خدمت (خدمة) القبطان وعلمنا جميع ما قال القبطان مركب زحاف. قال لنا سلم على الشيخ مبارك، لا تبالي في خاطركم شي من كلام قبطان زحاف، ان كان بر او بحر انا اكفي لكم."
لقد كان الوضع خطيراً جداً، وكان الشيخ مبارك الصباح يواجه احتمال مواجهة عسكرية كبيرة مع الأتراك، بسبب رفضه للعديد من طلباتها السابقة كالسماح بوجود قوة عسكرية تركية صغيرة في الكويت، أو تعيين موظف تركي ليكون مسؤولاً عن البريد، وغير ذلك. لكنه كان قوي العزيمة، واثقاً من نفسه وموقفه، ولذلك طرد القائد العثماني من مجلسه، وحذره من أن أي تحرك عثماني ضد الكويت، سيكون له رد فعل قوي من الكويت وحليفتها بريطانيا. وتعزز الموقف الكويتي بعد عودة علي بن غلوم رضا من اللقاء مع قائد السفينة العسكرية البريطانية "بيرسوس"، التي كانت ترابط على مقربة من مدينة الكويت، وهو ينقل رد القائد البريطاني للشيخ مبارك، حيث ساند الكويت في دفاعها عن نفسها وعكس التزام بريطانيا باتفاقية الحماية، وأكد أن لديه أوامر بالهجوم على السفينة التركية إن هي قامت بإنزال قوات عسكرية في الكويت. ويؤكد هذا الموقف، ما قاله قائد بحرية البصرة في تقريره بتاريخ 31 أغسطس 1901 "لدى وصول السفينة زحاف إلى الكويت جاء على الفور قبطان البارجة الانجليزية بحجة الزيارة وأدلى بالتصريح التالي: لقد وضعت دولة انجلترا الشيخ مبارك في حمايتها وقام قنصل بوشهر بإعطاء معلومات لحكومتكم. إذا حاولتم إنزال العساكر والمهمات وغيرها الى البر أو أنزلتم العساكر من السفينة الى السنابيك فسأحارب....".وبعد ذلك توالت المراسلات واللقاءات بين الأتراك والإنجليز، واتفق الطرفان في نهاية المطاف على ترك الكويت على حالها دون تغيير في مشيختها، فيما أكدت بريطانيا أن "حكومة إنجلترا لا تفكر وليس في نيتها احتلال الكويت وفرض حمايتها عليها، شريطة ألا تقوم الدولة العثمانية بإرسال عساكر إلى هناك، وأنها تحافظ على الوضع القائم في المنطقة المذكورة". وهكذا استطاع الشيخ مبارك، على الأقل في هذه المرحلة الحرجة، أن يحمي الكويت من احتلال عثماني مباشر، وأن يستمر في حكمه للبلاد.