تعد الكويت من الدول الأولى التي عاصرت انطلاق الصناعة المالية الإسلامية، التي أصبحت رافداً أساسياً من روافد القطاع المصرفي، وتضم حالياً 5 بنوك إسلامية، وفرعاً لبنك إسلامي غير كويتي، إضافة إلى 51 شركة استثمارية إسلامية.

Ad

قال محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد الهاشل ان «المركزي» حريص على وضع ضوابط تنظيمية ورقابية حصيفة لأعمال وانشطة البنوك الاسلامية، بحيث تكون تتماشى مع افضل المعايير والممارسات العالمية في هذا المجال، مضيفاً أن اعمال الرقابة الشرعية منوطة بمهام الرقابة الشرعية في كل بنك اسلامي.

واوضح الهاشل خلال مؤتمر شورى الفقهي الخامس امس ان العمل المصرفي والمالي اظهر مدى تقدم الصناعة المالية الاسلامية على المستوى العالمي وانطلاقها خارج الحدود المحلية والاقليمية، مشيرا الى ان هذه الصناعة انتقلت الى مرحلة النضج الحقيقي في الرؤية والاهداف والاستراتيجيات ومنهجية العمل والنشاط.

وذكر ان حجم السوق العالمي للخدمات المالية الاسلامية مقاسا بحجم الاصول بلغ باكثر من 1.7 تريليون دولار اميركي، مسجلا بذلك نقلة نوعية واسعة مقارنة بمستواها البالغ نحو 150 مليار دولار في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، كما زاد عدد المؤسسات المالية الاسلامية الى اكثر من 600 مؤسسة تعمل في اكثر من 75 دولة حول العالم، كما حقق سوق الصكوك الاسلامية نموا واضحا، حيث بلغت قيمة الاصدارات نحو 140 مليار دولار خلال عام 2012 لتسجل اعلى مستوى لها على الاطلاق.

واضاف انه على الرغم من كون هذه التطورات مشجعة فانها لاتزال دون مستوى التطلعات، حيث ان نسبة التمويل الاسلامي في حدود 1 في المئة فقط من حجم التمويل على مستوى النظام المالي العالمي، وهى بالطبع نسبة متواضعة للغاية.

تحديات الصناعة المالية

وقال الهاشل ان ابرز التحديات التى تواجهها الصناعة المالية الاسلامية توفر مواصفات القائمين على الرقابة الشرعية للعمل في المصرف الاسلامي، اضافة الى ذلك فان حجم المخاطر التي تنطوي عليها المعاملات المصرفية والمالية سواء كانت تقليدية او اسلامية، قد اضحى حقيقة، لاسيما مع تكرار الازمات التي يتعرض اليها النظام المالي العالمي، مؤكدا ان الكيانات المصرفية والمالية الاسلامية لا تتعرض فقط في ممارسة انشطتها لمختلف المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها مثيلاتها من الكيانات التقليدية، بل انها تنفرد ايضا بمواجهة مخاطر اخرى ترتبط بتنوع وتعدد الادوات المالية الاسلامية، مع ضرورة الالتزام بالضوابط الشرعية الخاصة بها، علما ان المخاطر التي تتعرض اليها المؤسسات المالية الاسلامية تكون احيانا اشد حدة وتأثيرا في اوضاع الكيانات المصرفية المصرفية والمالية مقارنة بمثيلاتها التقليدية.

محدودية أدوات التحوط

واضاف ان ما يزيد من حدة هذه المخاطر محدودية ادوات التحوط المتوافقة مع احكام الشريعة الاسلامية واللازمة لتخفيف المخاطر، بالاضافة الى استمرار التركزات المرتفعة نسبيا لانشطة العديد من المؤسسات المالية الاسلامية، مشيرا الى انه لتفادي تلك المخاطر يتطلب المضي قدما في تنفيذ البرامج الهادفة الى الارتقاء بمستوى الحوكمة والدفع في اتجاه تطوير اسواق مالية يمكن ان تستوعب مجموعة من الادوات المالية الاسلامية، فضلا عن بذل المزيد من الجهود الرامية الى ابتكار وتطوير اليات مناسبة للتحوط ضد المخاطر.

ولفت الى ان اساليب الرقابة الشرعية بمثابة المحدد الرئيسي للاطار العام للخطط التنظيمية والآليات المنتهجة في عملية التدقيق، مشيرا الى ان مفهوم الرقابة في المؤسسات المالية بصفة عامة سواء كانت تقليدية او اسلامية، لا يتباين كثيرا في اهدافه ومبتغاه، الا ان مفهوم الرقابة الشرعية يتميز بخصوصية نابعة من نوعية المعاملات التي تمارسها المؤسسات المالية الاسلامية، منبها الى ان الطبيعة الخاصة للتمويل الاسلامي تطرح نوعية مختلفة من التحديات المرتبطة بضرورة وضع نظام رقابي قوي يأخذ في الاعتبار طبيعة المخاطر التي تواجهها مؤسسات التمويل الاسلامي، لاسيما ان النموذج المصرفي المزدوج الذي يجمع بين الخدمات المصرفية التقليدية والاسلامية يتطلب توفير الاطر التنظيمية المناسبة لطبيعة انشطتها

هيئات الرقابة الشرعية

وسلط الهاشل الضوء على آليات عمل هيئات الرقابة الشرعية وفقا للمبادئ الرئيسية والمتمثلة في العدالة والمساءلة والشفافية وتحديد المسؤولية، مؤكدا ضرورة ايلاء المزيد من الاهتمام بعملية التحقق من الالتزام باحكام الشريعة الاسلامية او ما يعرف بالتدقيق الشرعي اللاحق، حيث يتم عادة اسناد مهمتي الفتوى والتدقيق الشرعي اللاحق لهيئة الرقابة الشرعية في بعض المؤسسات الاسلامية، وهو ما يتعارض مع اسس حوكمة الرقابة الشرعية، وبالتالي هناك ضرورة لوضع اطر مهنية واضحة ومحددة لمهام ومسؤوليات كل من الهيئات الشرعية والتدقيق الشرعي الداخلي.

ودعا الهاشل الى ضرورة النظر في تأسيس كيان قانوني متخصص يأخذ على عاتقه مهمة تنظيم وتطوير عمل المنتمين لمهنة التدقيق والرقابة الشرعية.

واشار الهاشل الى ضرورة ترسيخ مبدأ استقلالية عمل هيئة الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الاسلامية من خلال افساح المجال امام الهيئة الشرعية لاصدار الفتاوى والاحكام الشرعية وفق ما تقتضيه ضوابط الاجتهاد وشروط الافتاء دون اي مؤثرات على اعضائها من جانب الاجهزة الادارية بالمؤسسة.

وذكر الهاشل ان ابرز التحديات التي يواجهها العمل المصرفي والمالي الاسلامي محدودية توافر علماء الشريعة المتخصصين في فئه المعاملات من ذوي الدراية والخبرة المتعمقة والمؤهلين لعضوية هيئات الرقابة الشرعية، مشيرا الى ان الندرة النسبية للمؤهلين ادى الى تعدد العضوية في اكثر من هيئة شرعية، مما يمثل ضغطا على الوقت والجهد اللازمين للقيام بالمهام على النحو الامثل.

ولفت الى ان الكويت من اولى الدول عالميا التي عاصرت البدايات المبكرة لاطلاق الصناعة المالية الاسلامية لتكون رافدا اساسيا من روافد القطاع المصرفي، موضحا ان عدد البنوك الاسلامية يبلغ حاليا 5 بنوك، اضافة الى فرع لبنك اسلامي غير كويتي، و51 شركة استثمارية اسلامية.

واشار الى ان بنك الكويت المركزي منذ البدايات الاولى لمزاولة الانشطة المالية الاسلامية ارتأى ضرورة العمل ضمن اطار تنظيمي ورقابي يضمن ممارسة وكفاءة ممارسة تلك الانشطة، من خلال اضافة قسم خاص بالبنوك الاسلامية الى الباب الثالث من القانون رقم 32 لسنة 1968 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية.

نمو المؤسسات الإسلامية

وقال نائب رئيس مجلس الادارة الرئيس التنفيذي في بنك وربة جسار الجسار ان الموضوعات المطروحة في هذا المؤتمر ذات اهمية كبيرة خاصة في إطار النمو المطرد للمؤسسات المالية الإسلامية التي اثبتت قدراتها القوية في تعبئة الموارد المالية من خلال صيغ استثمار وادخار متنوعة وفعالة، قامت بتوجيهها نحو عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان التي تحظى فيها بتواجدٍ كبيرٍ ساعدها في ذلك قدرتها على الوصول إلى الاستثمارات الإسلامية الهائلة بمنطقة الخليج وجنوب شرق آسيا لتسهم بنصيب مُعتبَّر في تمويل المشروعات الاستراتيجية وعمليات التجارة البينية عربياً وإسلامياً.

واوضح الجسار إن إجمالي الاصول المدارة في قطاع التمويل الإسلامي حول العالم بلغ 1.76 تريليون دولار في نهاية عام 2012، ومن المتوقع ان تبلغ نحو تريليوني دولار في عام 2014، اي بزيادة قدرها 150 في المئة عن قيمتها في عام 2006.

واشار الى انه رغم هذا النمو السريع، فإنها لاتزال تمثل نحو 1 في المئة فقط من إجمالي الاصول المالية في العالم. ولاشك ان الطبيعة المتحفظة لهياكل التمويل المتوافقة مع احكام الشريعة الاسلامية ستواصل تعزيزها لفرص رواج الصناعة المالية الاسلامية خاصة في ظل ما تشهده الاسواق العالمية من حالات عدم استقرار، وما اثبتته المؤسسات المالية الإسلامية من نجاح، وتوفيرها لوسائل استثمار تتمتع بدرجة عالية من الامان والربحية، إضافة إلى توافقها مع رغبة العملاء والمساهمين في إيجاد استثمار آمن ومنضبط يتسق واحكام الشريعة الإسلامية.

لندن... لاعب دولي

واوضح ان دخول المملكة المتحدة فى مجال صناعة الصيرفة الاسلامية، كاول دولة غير إسلامية، وطموحها القوي في ان تكون إحدى العواصم الكبرى للتمويل الإسلامي اعتمادا على موقعها الجغرافي وتشعب تجارتها وتنوع اقتصادها، قد يعزز من فرص الإنشاء التدريجي لنظام مالي عالمي موازٍ قائم على اسس الشريعة الإسلامية.

وذكر ان التحديات التي ستواجه تحقيق النمو المتوقع في هذه الصناعة واتساع نطاق اعمالها تفرض على المعنيين بهذا القطاع السعي الحثيث من اجل التعاطي الفعال مع هذه التحديات على النحو الذي يمكنهم من تذليلها، ومن ثم تعزيز قدرات ومصداقية قطاع التمويل الإسلامي وفرص نموه وانتشاره على النحو المأمول والمتوقع له في غضون السنوات المقبلة.

واشار الى انه نتيجة هذه التحديات فان هناك ضرورة لتوافر التقارب في الرأي بين المدارس الفقهية بشأن الخدمات المالية الإسلامية في مختلف البلدان والمناطق حول العالم لتوحيد المعايير والوصول إلى الإجماع بين الفقهاء واعضاء اللجان الشرعية، كما تفرض هذه التحديات على المؤسسات المالية الإسلامية ضرورة السعي لتطوير الموارد البشرية العاملة لديها وتأهيلها، ورفع الجوانب الخاصة بتأصيل الاعمال وتعميقها بغرض تعزيز البيئة الفقهية، وذلك بما يتناسب مع عملية التحديث والتطوير.

تحديات المؤسسات الإسلامية

ومن جانبه قال رئيس رابطة علماء الشريعة لدول مجلس التعاون الخليجي د. عجيل النشمي ان تحديات المؤسسات المالية الاسلامية تكمن في محدودية السيولة لديها، مقارنة بالبنوك والشركات العملاقة وشركات التأمين الكبيرة اضافة الى ان العديد من البدائل الشرعية لايزال تطبيقها امر عسيرا، كما ان المنافسة من خلال تلك البدائل الشرعية مقارنة بالمنتجات المالية التقليدية محدودة للغاية.

ولفت النشمي الى ان المؤسسات المالية الاسلامية اثبتت قدرة كبيرة على مواجهة الازمات المالية العالمية، مما جعلها تتبوأ مكانة كبيرة في الصناعة المالية العالمية، مستدلا على ان فرنسا ذات الحساسية الشديدة اتجاه كل ما هو اسلامي اعلنت ترحيبها بالادوات المالية الاسلامية من خلال الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية التي اصدرت قرارا بتقديم تسهيلات للمؤسسات الاسلامية والمتعاملين في الاسواق المالية الفرنسية.

واضاف ان عدد البنوك الاسلامية اليوم بلغ 22 بنكا في انكلترا، و3 في فرنسا، و4 في سويسرا، و2 في المانيا، بالاضافة الى فرع واحد في كل من روسيا وايرلندا وتركيا واليابان واميركا.

انفتاح الصين

وبين النشمي ان الصين بدأت تفتح ابوابها امام المنتجات المالية الاسلامية، حيث اعلن بيت التمويل الكويتي عن اصدار او صكوك اسلامية لتمويل محطة الطاقة بقيمة 200 مليار دولار.

واشار الى ان اعداد البنوك التي تقوم بتقديم خدمات مالية اسلامية في ازدياد مطرد، يقدر عددها بحوالي 350 مؤسسة مالية اسلامية في 95 دولة بالعالم، تستحوذ اوروبا منها على 55 مؤسسة، وتدير تلك البنوك، ما يقارب تريليون دولار بمعدل نمو يتراوح بين 15 و20 في المئة.

وقال ان منطقة الخليج قادرة على صناعة سوق مالية تكون مركزا لقطاع الصيرفة الاسلامية، ومن بين المشاريع المؤهلة تطوير المدينة الاقتصادية في شمال جدة بالسعودية بقيمة 27 مليار دولار، كما ان دبي وقطر والبحرين والكويت لديها القدرة على ان تكون مركزا ماليا اسلاميا.