كشفت مصادر دبلوماسية عربية في بيروت، على علم بتفاصيل المفاوضات التي أدت إلى إطلاق المخطوفين اللبنانيين التسعة في أعزاز، أن النظام السوري خاض الشق المتعلق به من المفاوضات وفقا لاستراتيجية متكاملة على علاقة بالمعركة الكبرى التي يخوضها، وليس من خلال حسابات ضيقة على علاقة بالتفاصيل التقنية للصفقة.

Ad

وأوضحت تقارير تلقتها جهات رسمية لبنانية أن النظام السوري الذي تعمد عدم الاستجابة لمطالب الخاطفين في المرحلة الأولى اتفق مع حزب الله على التشدد في تلبية المطالب لاسيما تلك المتعلقة بإطلاق المعتقلات السوريات في سجون النظام، وموقف الامين العام لحزب الله من المعارك الدائرة في سورية، لكي لا تأتي عملية إطلاق المخطوفين اللبنانيين بمثابة انتصار لرئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري ومن خلاله المملكة العربية السعودية بما يسمح للحريري و«تيار المستقبل» باستثماره داخل الطائفة الشيعية اللبنانية على نحو يترجم مكاسب سياسية في المعادلة الداخلية في لبنان، وللمملكة باستثماره على المستوى الإقليمي بما يعزز حضورها وتأثيرها ونفوذها على المستوى العربي.

وفي المعلومات، أن حظوظ الأدوار التركية والقطرية والفلسطينية في الوساطة الهادفة الى إطلاق مخطوفي أعزاز لم تكن أوفر من حظوظ المملكة العربية السعودية والرئيس سعد الحريري على اعتبار أن الرئيس السوري بشار الأسد كان يضع القراء المذكورين جميعهم في سلة واحدة بالنسبة الى موقفهم العدائي لنظامه. غير أن التباينات في وجهات النظر بين المملكة العربية السعودية من جهة وكل من قطر وتركيا من جهة ثانية بالنسبة الى دور الإخوان المسلمين في مصر ومستقبل سورية دفعت بالأسد الى اعتماد تكتيك جديد يهدف الى توسيع «الشروخات» القائمة بين المعسكر الإقليمي المعادي لنظامه، فرأى أن تسهيل عملية إطلاق المخطوفين اللبنانيين في أعزاز من خلال القبول بإطلاق عشرات من المعتقلات السوريات في سجون النظام يمكن أن تحقق له أكثر من مكسب على المستويات اللبنانية والعربية والدولية:

- على الصعيد اللبناني، تعطي دفعا لجهاز الامن العام اللبناني الذي شهد دوره الأمني تطورا كبيرا وواسعا في ظل تولي اللواء عباس ابراهيم مديريته العامة، والذي نجح في إقامة نوع من التوازن الأمني الجديد مع شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، علما أن ابراهيم يحظى بثقة حزب الله وحلفائه اللبنانيين كما بثقة القيادة السورية.

- على الصعيد الإقليمي، تعطي عملية إطلاق المخطوفين بوساطة قطرية – تركية دفعا لكل من الدوحة واسطنبول في مواجهتهما مع المملكة العربية السعودية مما ينعكس مزيدا من الشرخ داخل الفصائل السورية المعارضة من خلال لعبة الاستقطاب التي تتولاها الدول الثلاث في الداخل السوري مما يساعد النظام على المواجهة ويزيد من حالة التخبط داخل المعارضة لاسيما غداة التفاهم الاميركي – الروسي في سورية وعشية التحضيرات لانعقاد مؤتمر «جنيف 2».

- على الصعيد الدولي، نجح نظام الرئيس السوري بشار الأسد بالتعاون مع حزب الله في استدراج وساطة المانية غير معلنة تولت إدارة ملف المفاوضات في العمق انطلاقا من ثقة حزب الله القديمة بالوساطة الألمانية على خلفية نجاحها في ملف الاسرى اللبنانيين والإسرائيليين. وشكل دخول المانيا على الخط اختراقا سوريا – ايرانيا للموقف الاوروبي من الازمة السورية يضاف الى التفاهم الروسي – الاميركي الذي سمح للنظام السوري بتخفيف الضغط العسكري الميداني والسياسي عليه.

وترى جهات سياسية وحزبية لبنانية في هذه المعلومات ترجمة عملية لاستراتيجية سورية قديمة ورثها الرئيس السوري الحالي بشار الأسد عن والده الراحل حافظ الاسد في الرهان على لعبة الوقت لإحداث اختراقات في موقف الخصوم تسمح للنظام بتخطي مشاكله وصعوباته والخروج من الأزمات التي يواجهها.