الكاتب وحقه في تعديل مكتوبه!
هل من حق الكاتب أن يعدّل على ما سبق له كتابته من "منتجات" أدبية؟ كأن يقوم بتعديل رواية سبق له نشرها أو قصة أو مقالة ربما، أو حتى قصيدة!أدرك أن الفكرة غير مألوفة كثيراً، بل لعلها مستنكرة عند البعض، لكن دعونا نتوقف لوهلة أمامها فنتأملها بحيادية ودون حكم مسبق، ولنقلب السؤال "على طريقة العصف الذهني" فنقول: ولمَ لا؟ لماذا لا يحق للكاتب أن يقوم بالتعديل على أعماله الأدبية التي هي بنات أفكاره وصنيعة تجلياته ونتاج مزاجه؟!
يقال إن الأديب الكولومبي الشهير غابرييل غارثيا ماركيز، وهو الحاصل على نوبل للآداب في عام 1982، يجري بعض التعديلات على أعماله الأدبية في كل مرة تصدر لها طبعة أو ترجمة جديدة، ومن المعروف أيضا أن كل كاتب ينتج عملا ما وينشره، يظل بعد ذلك يقول ليتني كتبت كذا أو قلت كذا؛ لذا وما دام الأمر كذلك فلمَ لا يحق للكاتب أن يقوم بذلك فعلا؟!أليس العمل الأدبي كاللوحة الفنية التي من الممكن إعادة إنتاجها لمرات عديدة وبأشكال مختلفة ومتنوعة وفقاً لرؤية الفنان ومزاجه الإبداعي المتجدد والمتطور دوما؟ لماذا نصر إذن على أنه لا يجوز مسّ العمل الأدبي من بعد نشره، وكأن من اشتراطات بقائه متداولاً وقبوله بين القراء أن يكون نتاج "النخب الفكري الأول"؟! لماذا نصر على ذلك ونحن نعلم يقينا أن أغلب الأعمال الأدبية تمر أساسا بالعديد من مسودات التعديل والتنقيح قبل أن تصل إلى المطبعة، وأنها ليست نتاج "النخب الفكري الأول" في حال من الأحوال، إنما حسبها أنها مادة أعاد كاتبها تصنيعها وسبكها بشكل مضن ومرهق، بل ومضجر أحيانا إلى الحد الذي يجعل كثيرا من الكتّاب يملها فيفارقها لفترة من الزمن كي يستطيع مقاربتها من جديد لتصل إلى الحد المقبول من مستوى رضاه عنها. لماذا تكون "نقطة النشر" هي النقطة الفاصلة التي تمنع الكاتب المؤلف المنتج الوالد لهذه المادة من مسّها من بعد ذلك بغرض التعديل والتطوير مجدداً؟!أعلم أن موضوعي برمته لا يخاطب إلا شريحة بعينها من المهتمين في الشأن الأدبي، لكن لعل "جدة" الفكرة و"لا مألوفيتها"، ولن أقول "غرابتها" فلست أراها كذلك، تجعل لها مدخلا على هواة التفكير خارج الصندوق من المهتمين بالأدب وغيرهم، وذلك من باب السؤال الآتي: هل تمسكنا بالفكرة المعتادة التي تقول إنه لا يصح مسّ المنتج الأدبي بعد نشره قد نبعت من كوننا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، أم أن للأمر سبباً محدداً؟!اجتهادي الشخصي في الأمر لم يوصلني للوقوع على سبب محدد، فإن كان هناك سبب قد غاب عني فسأكون ممتنا إن هديت إليه، لكنني والحال هذه، أرى أن من البديع بل المميز أن يجيل الأديب النظر في مؤلفاته السابقة فيعيد تشذيبها وتهذيبها بل تعديلها لينتجها مجدداً بأشكال حديثة قاصداً أن يخاطب من خلالها شرائح جديدة من القراء، أو ذات الشرائح التي قرأت له وتروق لها فكرة المقارنة بين الجديد والقديم. وبالطبع من الضروري أن تظل النسخة القديمة موجودة كدلالة على حقبة معينة من عمره الفكري والإبداعي جنباً إلى جنب مع النسخة الجديدة التي تظهر تطوره أو تغيره وتحوله.هذا ما لدي اليوم، فإن أصبت فالحمد لله، وإن أخطأت فالمعذرة.