لا أريد أن أعلق على تجربة الروائي علاء الأسواني في المعهد العربي في باريس، ومواجهته مع أبناء مصر هناك، وطريقة التعامل بينهما بين فعل ورد فعل. لكن علاء الأسواني كغيره من أدباء العالم العربي يتداولون العمل السياسي والديني والأدبي بعقلية أنهم أكثر إدراكا من غيرهم، وأكثر وعيا بثلاثة مجالات مختلفة تنتمي كل منها الى كلية تعليمية مختلفة قد تتفق على خطوط فرعية لكنها حتما تختلف على العناوين العريضة.

Ad

علاء الأسواني في هذا السلوك لا يختلف كثيرا عن الأصوات التي ترى أنها صاحبة حق في المعرفة وأحقية في إبداء الرأي، بناء على هذه المعرفة الغائبة في الواقع. الجميع هنا يفهم في السياسة والدين على وجه الخصوص، والجميع استمع إلى الساسة ورجال الدين وتقدمهم في العملين الديني والسياسي اجتهادا وتصريحا. وعلاء الأسواني الأديب الروائي هو أيضا أكثر أحقية من هذه الأصوات، كحال بقية الأدباء، في معرفة الغمار الديني والسياسي وكأنها جزء لا يتجزأ من اختصاصه، وهو فوق ذلك طبيب أسنان كان أمضى زمنا في تعلم المهنة والتخرج في كليتها.

أتفهم أن تكون الرواية أو الشعر موهبة يصقلها الطبيب والمهندس والحداد والنجار بالقراءة، مقتطعا وقتا من أوقات تخصصه المباشر ليبدع فيها ويصل إلى مرحلة يتوقف عن ممارسة عمله الأصلي للتفرغ لها، وأتفهم أن يتعلم الإنسان السياسة ويتفرغ لها أو يتفرغ للدين وهكذا. لكن لا أستطيع أن أتفهم كيف يكون بحارا قويا وصلبا في أبحر متعددة في وقت واحد.

الخطأ الأكبر الذي عشناه ولا نريد التخلص منه هو إيماننا بتداخل الاختصاصات واستسهال الحديث عنها ببعض المعرفة أو قشورها أحيانا في مقاربة مع ما تفعله أغلب الأسماء اللامعة التي تسطع في البرامج الحوارية، دون أن تقول شيئا مفيدا إن لم يكن في تخصصها المباشر، وفي الأغلب هي مازالت قاصرة في فهم تخصصها المباشر. وخطأ الأديب والشاعر والروائي في دخول الصراع السياسي يتحول الى خطيئة إذا أراد الاستمرار في حياته كأديب وروائي وشاعر. فالأديب في كل أعماله يصرح بأنه مع الإنسان دون أن يمايز بين موقف هذا الإنسان السياسي أو العقائدي، هو مع الإنسان وكفى.

وقوع الأديب في شبكة التحزب والانتماء لفصيل حزبي يخرجه من دوائر إنسانية عديدة لا تنتمي إلى حزبه ويجعله صوتا أحاديا موجها لغاية سياسية، وفي ذلك يرسم نهاياته متى ما انتهى هذا الحزب. والأمثلة كثيرة في العراق وسورية ومصر وغيرها، ولا نريد سردها لأن ملفات هؤلاء شائكة.

ربما السؤال الآن: أليس من حق الأديب أو الكاتب أن يكون صاحب موقف سياسي؟ بالتأكيد هو صاحب موقف سياسي دون أن يكون صاحب دور سياسي، هو صاحب موقف سياسي قد يتغير تبعا للمعطيات السياسية، أما تصدره لدور سياسي فالتغير سيطيح به سياسيا أولا ثم أديبا ثانيا. أبسط مثال يعرفه الأديب هو كم الروايات والأشعار والورق الذي مجد الأحزاب السياسية والتي يحاول الجميع شطبها من حياتهم حين ينتهي الحزب أو يصل الى مرحلة العقم السياسي، بعد أن توقف القارئ عن قراءتها تأكيدا لابتعاد الأدب عن الحزبية، وخروج أسماء كتابها من الساحة إذا لم يمتلكوا الوقاحة اللازمة للعودة.