يقدم المعرض نظرة كل من الفنانين الخاصة حول الواقع الوحشي لحالة الحرب الأهلية والاستجابة الفردية لتداعياتها، عبر عمل تركيبي من الفولاذ على القماش متميز بطابعه التعبيري الحديث.
يقدم فتح الله زمرد تطبيقات كثيفة وإيمائية من الطلاء تعطي انطباعاً بالمشهد العمومي البائس الذي يواجه اللاجئين السوريين في المخيمات اللبنانية وغيرها. لا تختلف مشهدية النازحين السورين في خيمهم عن أي نازحين من الحرب، وتتكرر منذ عقود خصوصاً في لبنان، مع تجربة النزوح الفلسطيني وقبلهم النزوح الأرمني، ونزوح اللبنانيين أنفسهم بسبب الحروب المتعددة، واليوم النزوح السوري الذي يفوق كل نزوح، مشهدية قاسية مرعبة لا يدركها المحاربون وربما لا تعنيهم وربما يتقصدون أن يعيش النازح السوري في هذه الخيم.برج المر يرتكز عمل جنان مكي باشو في محوره على برج المر الأسطوري الذي يعتبر برجاً محسوساً في وسط بيروت، ومصمماً ليمثل مركز الفن التجاري، ولكن قدر له أن يشكل معقلا للقناصة والميليشيات خلال الحروب الأهلية اللبنانية... واللافت أن برج المر بات يحضر في أعمال شبابية، تشكيلية وسينمائية وبوب آرت وفوتوغرافية، وله ذكرى سوداء في التاريخ اللبناني. وتبدو نوافذ البرج في لوحة مكي كأنها قبور مبنية في الفضاء، مشهدية مؤثرة غامضة تدلّ على متاهة الحرب ولعبة القناص القاتلة التي روعت الشوارع والعابرين، ولا تزال تداعياتها حتى الآن في الأذهان والنفوس.ليست المرة الأولى التي تتطرق فيها مكي باشو الى الحرب اللبنانية، فهي تفتح سيرتها كي لا تعود أهوالها، أيضا ليست المرة الأولى التي تتطرق فيها إلى بيروت، ففي معرضها «الكولاجي» السابق قدمت هذه المدينة في لوحات تحكي الماضي وترسم الموت، وكثيراً ما يكون «المكان» محوراً لأعمالها، المكان المحاط بالذاكرة والذكريات أو الحنين أو الحرب، المكان الذي يحمل لغة مؤثرة أو مشهدية لا تبرح الذاكرة والأذهان.تصور لوحات زمرد الترابية المنحى، المساكن المؤقتة لمخيمات اللاجئين وممتلكاتهم المهملة، وصولا إلى طبيعة الحياة المؤقثة للحياة بعد الحرب، وفي إحدى اللوحات يهيمن اللونان البرتقالي والبني للتعبير عن زقاق معزول، ومملوء بالقمامة المتناثرة فقط والموتى، كما تكشف لوحاته حالة الأماكن المجردة التي أجبر سكانها على الهروب منها وإخلائها.تجربة تكامليةولد زمرد في بيروت عام 1968 ودرس العمارة الداخلية في الجامعة الأميركية، تصور لوحاته الأخيرة حالة العنف والبؤس للحرب في سورية، مستلهماً إياها من تجميعه الصور لمواقع الدمار والتهجير.أما الفنانة مكي باشو، فثابرت على مدى السنتين الماضيتين لابتكار عملها التركيبي المصنوع من الفولاذ، وما زال موضوعها الذي تعمل عليه لطرح فكرتها من خلاله قائماً. إذ يبقى برج المر مرتبطاً بالماضي العصيب، رغم إنشاء أبراج قريبة منه، إلا أن دلالة هذا البرج تبقى لأي بيروتي أو لبناني ثابتة لا تتغير. يواجه الجمهور في مكان البرج مشهداً لمبانٍ متماثلة ومتكررة من حيث المشهدية، ويعكس ذلك التكرار المتعددة اللحظات التي واجهها البرج، والتاريخ العنيف الذي أثر في حياة الفنانة وذكرياتها.يتميز معرض {بقايا ملموسة} بالتناقض الناتج عن لوحات زمرد الأحادية اللون والمليئة بضربات إيمائية وخطوط متدفقة ومتموجة، مع تكوين صريح لمدينة مكي باشو الفولاذية الحادة والعمودية التي تشكل انطباعاً مفاجئاً ومتزمتاً بعيداً عن التناغم.هذه التجربة المنفردة في العرض بمثابة تكامل غني بين العملين، بين الأبراج الحربية (اللبنانية) والمخيمات الناتجة عن الحرب السورية، فتتوافر للمشاهد فرصة التفكير والتمعن بالآثار التي تخلفها الحروب والبقايا الملموسة منها، تلك العلامات المحسوسة التي تبقى بعد مأساة الحروب، وتظل راسخة في المباني والمساكن والمواقع والمشاهد، وتشكل شهادة على سفك الدماء والأرواح والنزاعات المتعددة الاتجاهات التي تكون نتيجتها واحدة، كذلك تعطي الحافز على المثابرة والتصميم.
توابل
جنان باشو وفتح الله زمرد في غاليري «أيام»... الواقع الوحشي لحالة الحرب
30-03-2014