لن تبخل أي جهة، وأي دولة عربية بشجب العدوان الإسرائيلي الصهيوني الغاشم على قطاع غزة، فلا أسهل من الشجب ولا أرخص منه، لكن أليس من الضروري سؤال الذين "يدبُّون" الصوت عالياً ويصرخون الآن: "أين الأمة العربية؟ ويا وحدنا!"، إن كان عليهم قبل استدراج إسرائيل إلى هذه المذبحة، التي ترتكبها الآن، باختطاف وقتل ثلاثة شبان إسرائيليين، أن ينسقوا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومع منظمة التحرير والسلطة، مادامت هناك "مصالحة وطنية"، وحكومة تشارك فيها "حماس" و"فتح" ومعظم التنظيمات الفلسطينية؟!

Ad

لابد من شجب هذا العدوان الوحشي الذي تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولابد من أن يضغط العرب من خلال "جامعتهم" ومن خلال علاقاتهم الدولية لحمل الإسرائيليين على وقف عدوانهم "الوحشي والغاشم" هذا، لكن ألم يدرك الذين كان عليهم أن يدققوا في الأمور جيداً قبل أن يقدموا على ما أقدموا عليه، أن هناك مثلاً عربياً يقول: "أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل"...؟

لقد بقي الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات (أبو عمار) يتعرض لعمليات توريط من الفصائل التي كانت، وبعضها لايزال، تشكل امتدادات لبعض الأنظمة العربية في الساحة الفلسطينية، ومن بين هذه الفصائل حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي"، وقبلهما جبهة أحمد جبريل، التي تقاتل الآن الشعب السوري مع قوات بشار الأسد، إلى جانب حزب الله والفصائل الطائفية المستوردة من العراق وإيران، ولعل من المفترض أن البعض مازال يتذكر أن محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف، التي قام بها في الثالث من يونيو عام 1982 ما يسمى حركة "فتح - المجلس الثوري" بقيادة صبري البنا (أبو نضال) كانت مبرر ذلك الاجتياح الذي قام به الجيش الإسرائيلي للبنان بعد يومين من تلك المحاولة، أي في صبيحة السادس من الشهر نفسه.

وهنا فإن ما تجب الإشارة إليه، ونحن بصدد الحديث عن هذا الأمر، ما قيل في ذلك الوقت المبكر إن نظام "البعث" اليساري المتشدد ومزايداته على الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر هو ما أعطى المبرر لإسرائيل للقيام بعدوان يونيو عام 1967 حيث احتلت سيناء كلها حتى قناة السويس، واحتلت جبل الشيخ والجولان، كما احتلت الضفة الغربية وباقي ما كان متبقياً لدى الفلسطينيين.

إنها سياسة "التوريط" المعروفة وما لم يعرفه البعض أن نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان قد حاول استدراج إسرائيل لحرب مع فلسطين في الجنوب اللبناني في إطار صراعاته مع نظام حافظ الأسد من خلال بعض أجنحة حركة "فتح" في تلك المرحلة، ولا ضرورة لذكر الأسماء.

كان على حركة "حماس"، لو أنها لم تتقصد إحراج السلطة الوطنية وإحراج محمود عباس وإحراج النظام المصري الجديد بقيادة الجنرال عبدالفتاح السيسي، ولو أنها لا تريد استغلال الظرف لإثبات أنها الرقم الرئيسي في الساحة الفلسطينية، ألا تلجأ إلى هذه العملية الاستفزازية - الاستدراجية، أي عملية خطف الشبان الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم، وكان عليها أن تتبرأ منها، إذا لم تكن مسؤولة عنها، وكان عليها أن تتجنب التصعيد وألا تستعرض عضلاتها الصاروخية، لو أن هذا كله لم يكن مقصوداً، ولو أنه ليس وراء الأكمة ما وراءها!

إن "حماس" بالتأكيد تعرف أن الوضع الفلسطيني أصبح في حالة لا تحتمل استفزاز الإسرائيليين ولا استفزاز الغرب المنحاز لإسرائيل، وأن حكومة بنيامين نتنياهو كانت تنتظر تطوراً كهذا التطور كي تستعيد شعبيتها المنهارة، كما أن "حماس" تعرف بالتأكيد أن الوضع العربي "لا يسرُّ الصديق ولا يغيظ العدا"، وأن الدول العربية منشغلة بأوضاعها الداخلية. وهذا كان يفرض عليها، أي حركة المقاومة الإسلامية، ألا تقوم بكل هذا الذي قامت به لو أنها لم تكن معنية ومكلفة بـ"استحقاق"، لا هو عربي ولا فلسطيني، ولو أنها لم تُقدِّم مصلحة الإخوان المسلمين على مصالح الشعب الفلسطيني ومصالح العرب الذين ليست لديهم القدرة على الاستجابة لهذا الاستفزاز، حتى إن كانت لديهم الرغبة في مواجهته!