دبلوماسية كويتية «نيولوك»!
الدبلوماسية الكويتية باتت ضرورة ملحة لإعادة هندسة العلاقات الخليجية، ويبدو أنها بدأت تستعيد دورها بعد سبات طويل، وهذا مؤشر إيجابي لأن الرصيد التاريخي للدبلوماسية الكويتية ومصداقيتها وأدواتها عوامل نجاح خصوصاً في هذا التوقيت، وفي ظل التحولات السريعة والمعطيات غير المسبوقة التي تمر بها المنطقة والعالم ككل.الحقيقة التي لا يقبل البعض حتى في الخليج أن يفهمها إما بجهل وإما بعصبية عمياء، هي أننا قد دخلنا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بتشابكات معقدة من المصالح وتداخلها وسرعة دورانها، ولم تعد المعادلة البسيطة المتمثلة بالثروة النفطية والحضن "الأنغلوساكسوني" ضامنة للمنظومة الأمنية أو أساساً للتنمية والازدهار دون توافر أجواء الاستقرار والهدوء.
هذا الوضع الجديد والصعب يستدعي دبلوماسية معقدة ومتعددة الأبعاد ومرنة، وتتمتع بذكاء وقدرة على خلق بناء وظيفي مبدع وخلاق، وبدون مجاملات، فإن دولة الكويت قد تكون الأجدر للعب هذا الدور الانتقالي للعبور بمنطقة الخليج على جسر القرن الحالي نحو العالمية وتعيدها كبؤرة للاهتمام الدولي، ولكن من منظور الشراكة الاستراتيجية. ومهدت الكويت الأرضية المناسبة بعدما تحولت إلى عاصمة للمؤتمرات الآسيوية ثم الإفريقية والخليجية خلال الأيام القادمة وبعدها القمة العربية، كما تلعب دوراً مهماً في الوساطة ما بين دول الخليج العربية، ولم يتبق سوى العمل على إعادة بناء الثقة بين مجلس التعاون وإيران.ولعل هذا المسار الإيراني أصبح أكثر نضوجاً في أعقاب المصالحة الغربية وانحسار الدور الأميركي وفرصة وجود إدارة الرئيس روحاني، والأجواء الخليجية أيضاً باتت مهيأة بعد الموقف الإماراتي وإعلان الرغبة في شراكة قوية مع إيران بأبعادها السياسية والأمنية المختلفة، وذلك بالتزامن مع ترحيب الخليجيين جميعاً بالاتفاقية النووية الأخيرة.الملفات الصعبة سواء ما يتعلق منها بالعلاقات الإيرانية-الخليجية، أو امتداداتها الإقليمية كسورية وغيرها لا يمكن التعاطي معها عبر القطيعة الدبلوماسية ولا عن طريق الحروب بالوكالة، فكل الرهانات على هذا المنطق فشلت فشلاً ذريعاً، وخسرت بسببها دول خليجية، وتحديداً المملكة العربية السعودية وقطر، الكثير سياسياً ودبلوماسياً.إذا أخذنا مسارات العلاقات الدولية المستقبلية، فجميع الشواهد تنبئ بعودة نظام التعددية القطبية المتوازن مع تبدل عوامل هذا التوازن من القوة العسكرية إلى الأدوات الاقتصادية والشراكة الاستراتيجية، أما خطوط الاتصال الجغرافي فتسير بدورها عبر الاتجاه شرقاً من الولايات المتحدة وأوروبا، وعبر الاتجاه غرباً نحو القارة الإفريقية من الصين وروسيا والهند، وتبقى منطقة الخليج هي نقطة الالتقاء والانطلاق شرقاً وغرباً في آن واحد، وهذه ميزة استراتيجية غير متوافرة حتى للقوى الكبرى، حيث يمكن أن تتحول إلى منطقة تجارية حرة للكرة الأرضية إذا ما أحسنت دولها التصرف وخلقت منها واحة للاستقرار، ونتمنى أن تكون الدبلوماسية الكويتية برؤاها الجديدة والمستقبلية هي دينامو هذه الحركة الكونية القادمة.