رغم وداعة أعضاء المجلس الحالي واستحسانهم الرأي الحكومي فإن الشد والجذب مستمران بين أعضاء البرلمان حول المساءلة السياسية في ظل المحفزات السياسية المؤثرة في المشهد البرلماني، وتأتي حلقات جديدة من مسلسل الإيداعات والتحويلات النقدية محاطة بأرقام فلكية لتضيف صفحة جديدة إلى ملف الفساد القابع أمام أعين أعضاء البرلمان، فتداعب الأرقام المليارية خيال البعض وتشعل الغضب في النفوس.

Ad

 وتذكرنا الأحداث بالماضي القريب عندما اشتعلت الساحة السياسية أيضا بوقود الإيداعات المليونية خارج إطار البرلمان وأسواره "على أمل" محاسبة أطراف الفساد عبر مسيرة "الراشي والمرتشي"، بعدها انتقل الحراك أو بالأحرى انقسم حول قرار تغيير النظام الانتخابي إلى "الصوت الواحد"، وأفرز فئات مشاركة ومقاطعة وعائدة للمشاركة، فهل يتكرر السيناريو مرة أخرى؟ وهل ستتخذ الحكومة من الأحداث سبباً لتعطيل التنفيذ التنموي لأجل غير مسمى؟

ولطالما سعينا في مجال العلاقات الدولية إلى الاستعانة بتجارب تاريخية لفهم ما يجري، فقد اخترت لفهم الشأن المحلي أن أبحث في آراء علماء الاجتماع حول الأزمات البرلمانية الخاصة بالمساءلة، فوجدت مقالة كتبها المرحوم الدكتور خلدون النقيب حول المساءلة البرلمانية في فترة اشتعلت الساحة السياسية باستجوابات للإقصاء دون أي مجهود يذكر لإصلاح السياسة العامة.

 فعلّق الدكتور النقيب من خلال مقالة نشرت بصحيفة "القبس" العدد 7792 عام 1995 حملت عنوان "مضامين الاستجواب البرلماني وانقلاب اللعبة السياسية" تفاعلا مع اشتعال الساحة السياسية حول استجواب المرحوم الدكتور أحمد الربعي وزير التربية آنذاك، واصفاً الاستجواب بأنه "بلا موضوع"، ووصف سلسلة الاستجوابات آنذاك بأنها اجتماعية بحتة، وبأنها أصبحت مؤشراً لانقلاب اللعبة السياسية الديمقراطية.

 ويسترسل النقيب من خلال المقالة ذاكراً "النواب المستجوبين شغلوا الساحة بقضايا هامشية كالطالبات المحجبات وعددهن، وما طريقة ذبح الدجاج المثلج، وأسباب الاستجوابات البرلمانية وجود التجاوزات الخطيرة، ولكن دوافعها أغلب الأحيان أيديولوجية". والنائب المستجوب لا يملك بديلاً للسياسة العامة أو حتى التربوية التي واجه بها النواب الدكتور الربعي آنذاك.

فازدادت الاختلافات الأيديولوجية بين التيار الأصولي والتيار العلماني حتى شعر النقيب بأن "المصلحة العامة تتضرر بلا موضوع والضحية هي السياسة" على حد تعبيره، ويقصد بها سياسة التربية، وهي القضية الأولى فيحذر من الصراع القادم، الذي يقرره من يملك المعلومة بمستوى العصر والتكنولوجيا.

رحم الله الدكتور النقيب والدكتور الربعي العالمين في زمن الصراع المحلي الذي لم يسمن ولم يغن من جوع، وأعاننا على استيعاب دروس الماضي وحماية المؤسسات والحياة السياسية من تقلبات اللعبة السياسية.