ألاعيب «الإخوان»!
ربما كانت حسابات غير صحيحة ولا دقيقة لمستجدات عربية هي التي جعلت "الإخوان المسلمين"، إخوان الأردن، يرفعون عقيرتهم بعد فترة "كُمون" ومخاوف أعقبت ما جرى لإخوانهم في مصر وفي المملكة العربية السعودية وفي الإمارات، ويعودون لمطالبهم السابقة التي كانوا يلحون عليها عندما كانوا يمشون على رؤوس أصابع أرجلهم، وعندما كانت نشوة الانتصارات المدوية تدفعهم إلى رفع شعار "إننا قادمون"... وعندما أصبحت مكاتبهم ومقراتهم مزارات حجيج للانتهازيين والمتزلفين الذين لم يكونوا يرون أبعد من أرنبات أنوفهم!فجأة ومع أن إخوانهم في مصر مازلوا يطارَدون بتهمة "التنظيم الإرهابي" بادر "الإخوان" الأردنيون إلى رفع أصواتهم، ربما بنصيحة من الشيخ يوسف القرضاوي، والعودة إلى ما هو أكثر من التظلُّم واتخاذ وضعية الضحية والحديث عن ملاحقات لمحازبيهم والتضييق عليهم، كل هذا وهم يرفضون تصحيح أوضاعهم وقطع صلتهم بالتنظيم العالمي وبـ"الإخوان" المصريين الذين مازالوا يعتبرونهم التنظيم "الأم" ومازالوا وفقاً لما كان في عام 1955 يعتبرون أنفسهم فرعاً لهذا التنظيم في المملكة الأردنية الهاشمية.
يريد "الإخوان" الأردنيون أن تعاملهم الدولة الأردنية معاملة الأحزاب المرخصة الأخرى، وحقيقة فإن جميع هذه الأحزاب الأخرى تشكو أن هؤلاء يعاملون معاملة مميزة وأنهم مستثنون من تطبيق القوانين النافذة، وأن المفترض أنهم بادروا ومنذ أعوام عدة ماضية إلى تصويب أوضاعهم وإنهاء علاقتهم بـ"التنظيم العالمي"، وبأنهم فرعٌ تابع للمرشد الأعلى لا للدولة الأردنية، وأنهم، خلافاً لما هو متبعٌ ومطبقٌ في الأردن، يجمعون بين عضوية حزبين، الأول هو "الإخوان المسلمون" والثاني هو جبهة العمل الإسلامي. رفض "إخوان الأردن" الحوار الوطني ورفضوا المشاركة في آخر انتخابات برلمانية ورفضوا المشاركة في هذه الحكومة وفي العديد من الحكومات التي سبقتها، كما أنهم سحبوا مراقبهم العام السابق من مجلس الأعيان، لكنهم، مع ذلك ورغم كل هذا، يتظلمون ويشكون مرَّ الشكوى ويطالبون بمساواتهم بالآخرين مع أنَّ الأحق أن يطالب هؤلاء بمساواتهم بهم، فهم الطفل المدلل الذي يحق له ما لا يحق لغيره، وهم يتناسون أنهم يرتبطون بتنظيم غير أردني، وأنهم يحاربون حرب "إخوان مصر"، سواءً كانوا ظالمين أو مظلومين، وحقيقة فإنهم كانوا ومازالوا ظالمين... وإلا فما معنى أنْ يلجأوا إلى العنف لمقاومة نظام أجمعت عليه أغلبية مصرية في الثلاثين من يونيو العام الماضي.والأغرب أن هؤلاء، أي "إخوان" الأردن، يطالبون بفتح أبواب القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأردنية أمام أعضاء حزبيْهم، "الإخوان المسلمون" وجبهة العمل الإسلامي، وكل هذا وهم يعرفون أنَّ الحزبية ممنوعة بموجب القوانين السارية النافذة في هذه الأجهزة وفي القوات المسلحة، وكل هذا أيضاً مع أن أعضاءهم أقسموا، وأكفهم على القرآن الكريم، بـ"الطاعة والولاء" للمرشد الأعلى الذي هو غير أردني... فهل يعقل هذا؟ وأي دولة في الكرة الأرضية من الممكن أن تقبل ضابطاً في قواتها المسلحة وفي أجهزتها الأمنية يقسم بـ"الولاء والطاعة" لقائد تنظيم كَوْني عالمي لا صلة ولا علاقة له بالدولة الأردنية.ثم إن المستغرب أيضاً أن كتاب "التظلُّم" الذي أرسله "الإخوان" ووجه عملتهم الآخر "حزب جبهة العمل الإسلامي" إلى رئيس الحكومة الأردنية، يتضمن شكوى من عدم إرسال صحافيي جريدة حزْبَيْهم هذين إلى قمة الكويت العربية الأخيرة، والمعروف أن مثل هذه الدعوات توجهها حكومة الكويت الشقيقة، إذ لا علاقة للأردن بها من قريب ولا من بعيد، فالدولة المضيفة هي المسؤولة عن مثل هذه الأمور، وليس أياً من الدول المشاركة... ومن بينها المملكة الأردنية الهاشمية.إن على "الإخوان المسلمين"، في الأردن وفي غيره من البلاد العربية، ألا يبقوا يرقصون في أعراس الآخرين وألا يبقوا يراهنون على انتصارات في تركيا وفي غيرها، ليست لهم، ثم إن عليهم أن يأخذوا العبر مما حدث في مصر، وأن يكون ولاؤهم للأوطان التي من المفترض أنها أوطانهم لا للمرشد الأعلى ولا للتنظيم العالمي ولا للسيد رجب طيب أردوغان... إن عليهم أن يكفوا عن هذه الألاعيب وأن يتحلوا بجرأة النقد والنقد الذاتي، وأن يضعوا في حسبانهم أنهم إن لم يصححوا أوضاعهم وبسرعة فسيأتي اليوم الذي سيُفرض عليهم مثل هذا التصحيح بقوة القوانين السارية والنافذة.