الدوامة الخطرة!
المصادمات التي باتت تحمل طابع العنف بين المحتجين على اعتقال النائب السابق مسلم البراك وقوات الأمن خطيرة للغاية، ومؤشر على تداعيات سياسية وأمنية كارثية إذا لم يتم احتواؤها بالعقل والحكمة.هذا الطرح بالتأكيد لا يعجب الكثير من الأطراف التي أخذت موقفاً مسبقاً، والسيناريو الجديد بالنسبة إليها مجرد محطة يجب استغلالها بكل الطرق لتسجيل نقطة انتصار، وما يتم التعبير عنه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يعكس مشاعر التعبئة النفسية والسياسية بوضوح وبروح التحدي والعناد.
في الجبهة الغاضبة من المعارضة وأسلوب عملها الميداني من يبجل استخدام القوة، بل يتشفى بضرب المتظاهرين بالقنابل الدخانية والمطاطية، ويصل الحد ببعضهم إلى التحريض على أكثر من ذلك! وقد تكون تبريرات الدفاع عن هيبة القانون والذود عن حمى القضاء مجرد عناوين للانتقام من المعارضة ورموزها، والله العالم وحده برأي هؤلاء المتشفين بالقانون والقضاء في ثنايا صدورهم!بالمقابل، فإن الكثير من أطياف المعارضة تجد في مثل هذا الحدث فرصة لإثبات وجودها في الساحة، ولم تعد تكترث بمواقف الآخرين أو تسعى إلى استعادة المجاميع المتعاطفة معها سياسياً، ولكنها ترفض المواجهات مع قوات الأمن، أو تطرح ما يقرّب القوى السياسية والوطنية حول قضايا أكثر شمولية، أو تشاطرها في بلورة مبادرات جديدة، وترى أن الواقع السياسي بدأت عجلته تدور وفق مؤسسات أخذت بزمام الأمور، ولذلك ليس من سبيل سوى اللجوء إلى الشارع للإطاحة بها من جديد. هذه الحالة تحولت إلى دائرة مغلقة ونجحت الحكومة في إدارتها جيداً لأنها المستفيد الأول عندما يتواجه الناس ضد بعضهم بعضاً في مشاهد جانبية، وتبقى هي بعيدة عن أي نوع من الرقابة والمحاسبة، ولا أستبعد قيامها أصلاً بإخراج المسرحية الجديدة مع النائب السابق مسلم البراك!قانون الإجراءات الجزائية يقضي بحجز أي متهم لمدة 24 ساعة، ومن ثم إحالته إلى المحاكمة ليفصل القضاء بالتهم الموجهة إليه، خصوصاً إذا لم تكن القضية متعلقة بجرائم جنائية كالقتل والمخدرات وغيرها من القضايا التي قد يتطلب التحقيق فيها مدة أطول، والغريب أن القضايا التي تم "جرجرة" مسلم البراك فيها وعددها يكاد يتجاوز المئة قضية ذهبت أدراج الرياح، إما لكيدية التهم أو الإجراءات الباطلة للحكومة فيها! الأمر الذي يرجح الجانب التكتيكي في الملاحقات السياسية لإذلال رموز المعارضة فقط.الدوامة السياسية الحالية وإخراجها المسرحي الهزيل لن يجديا أي نفع للخروج من الأزمة الممتدة لعدة سنوات، في وقت زادت كل مؤشرات الفساد الإداري والمالي في البلد، مع الدعاية الإعلامية الوهمية بأن المجلس والحكومة قد حققا الكثير من الإنجازات والمعجزات التي لم يتلمس منها المواطن أي شيء رغم انتهاء أول دور انعقاد للبرلمان رسمياً.هل يراد لهذا البلد أن ينجر إلى أتون التطرف والمواجهات الدموية في ظل تربص أدوات الإرهاب بنا من كل حدب وصوب، وقد تجد من هذه الحالة البائسة مطية لركوب الموجة؟ هذا هو الخطر الأكبر الذي لا يقبل الكثير من أطراف العناد الصخري التفكير فيه بجرأة ووضوح!