الحرب الباردة في أولمبياد سوتشي
عشرة أيام جميلة أو كما يقول الروس "خراشو"، أمضيناها بين سوتشي وموسكو وسان بطرسبرغ ابتدأت بالاحتفال الافتتاحي للأولمبياد الخاص برياضة الشتاء، والذي شهد أجواء شبيهة بالحرب الباردة في التنافس الروسي الأميركي لنيل الميداليات الذهبية، وغابت عنه المشاركات الخليجية رغم وجود أفخم ساحات التزلج في كل دولة، وانتهت الرحلة بزيارة تاريخية لمدينة بطرسبرغ.تاريخياً أو بالأحرى في القرن الخامس عشر كانت "بروسيا" إمارة صغيرة في جنوب بحر البلطيق قبل أن تشغلها الأحداث السياسية في أوراسيا، ثم تعود في القرن الثامن عشر كدولة جديدة وتخوض حروباً تتحدى بها الإمبراطورية الرومانية المقدسة.
وبزيارة سريعة إلى بعض المتاحف التي تجمع بعض مقتنيات القياصرة كالقصر الصيفي بسانت بطرسبرغ تعرفنا على أجزاء متفرقة من تاريخ المنطقة كعهد إيفان (الرهيب) ذي الأطماع التوسعية، والذي توسعت الدولة في عهده شرقاً وغرباً متحدية القوميات المجاورة، والتي تشكل عبئاً تاريخياً للروس حتى يومنا هذا. وفي أروقة القصر التاريخي ترى صورة امرأة يشير إليها الروس بإعجاب؛ لأنها قادت المشاريع الإصلاحية الداخلية والتوسعية الخارجية في الوقت ذاته، وليس ذلك بغريب على النساء، فهن معروفات بالقيام بالمهام المتعددة في الوقت ذاته، وتلك هي الإمبراطورة كاترين 1762-1796. ورغم الحديث الذي يدور همساً عن فضيحة مغامراتها العاطفية فإنها نفذت سياسة الإصلاح الداخلي والتوسع الخارجي، وأعلنت تلك المرأة الحرب على الدولة العثمانية وأرغمت السلطان العثماني على التوقيع على معاهدة، واشتركت مع النمسا وبروسيا بتقسيم بولندا مرارا وتكراراً، مستغلة اعتبار روسيا نفسها وريثة الإمبراطورية البيزنطية التي حلت محلها الدولة العثمانية، وحامية للشعوب السلافية في الوقت الذي تحالفت روسيا مع الإمبراطورية الرومانية ضد الدولة العثمانية أثناء معاناة العثمانيين من ضعف، وحركات انفصالية لأسباب كثيرة، قد يكون أحدها جاذبية روسيا أمام العثمانيين، الأمر الذي يذكرنا اليوم بجاذبية الاتحاد الأوروبي للأقليات الواقعة على الحدود الروسية، وقد تكون أوكرانيا خير مثال، فهي تتأرجح اليوم بين جاذبية الاتحاد الأوروبي والخشية من الهيمنة الروسية، إذاً فالتاريخ فعلا يعيد نفسه وإن كانت الأدوار قد تبدلت.وعودة إلى رحلتنا فقد قمنا أيضا بزيارة مدينة سوتشي الصغيرة المطلة على البحر الأسود، حيث انشغل الإعلام بانقسام الرأي العام بين مؤيدي الإنفاق الملياري لاستقطاب السياحة الرياضية والمعارضة البرلمانية الروسية التي تشير بأصابعها إلى الفساد في إنفاق الأموال، إلا أن حفل الافتتاح كان جميلاً ورسالة روسية واضحة في الرغبة (الحذرة) في الانفتاح على العالم. وشكلت الفرق الأولمبية المتسابقة ما يشبه "توازن القوى" بين روسيا من جهة وجمهوريات الكومنولث من جهة أخرى، والتي نالت استقلالها عبر "الثورات الملونة" كالزنبقية في قرغيزستان والوردية في جورجيا والبرتقالية في أوكرانيا، وأتت إلى شوتشي لخوض المعارك الرياضية، وإبراز الوجه الشبابي الذي يتطلع إلى الحداثة والتغيير.واكتمل جمال الرحلة بدعوة من الثنائي الدبلوماسي في روسيا السفير عبدالعزيز العدواني وحرمه أفراح الفداغي لتناول وجبة الغداء على مائدة روسية ببوشكن أحد أعرق المطاعم بموسكو.كلمة أخيرة: آن الأوان لدول الخليج أن تستثمر في الرياضة الداخلية كالتزلج على الجليد وتضيفها إلى المواد الدراسية.وكلمة أخرى: كتبنا في الماضي عن حاجة دول التعاون للتركيز على الإنسان الخليجي والاستثمار بالطاقة البشرية، فأتت الوثيقة المقترحة للتعاون الأمني وكأنها تستهدف الإنسان الخليجي وتشكك في النوايا، وبانتظار التعديل الذي يحمي المرأة الخليجية والشباب الخليجي من التباين القانوني المحلي والتراجع في الحريات.