لا أبالغ حينما أقول إن أحد أسباب تعطيل الفصل في القضايا والضعف في أداء المرفق القضائي يعود إلى وزارة العدل والقائمين عليها، بسبب عدم توفير المباني الكافية التي تؤمَّن للقضاء بشكل حقيقي وميسر، لأداء المطلوب منه.

Ad

يشكو رجال القضاء ويصرح رئيس مجلس القضاء، في أكثر من لقاء صحافي ومنذ سنوات، بضيق المباني القضائية، والتي أصبحت تمثل عائقا حقيقيا للتوسع في فتح الدوائر القضائية التي تحتاج إلى قاعات لا يمكن لمبنى كقصر العدل بقاعاته الــ52، والتي تتناوب على كل منها ثلاث هيئات قضائية في اليوم الواحد، أن يستوعبها، ولا يمكن له أن يستوعب بشكل يومي استقبال ما يزيد على 30 ألف مراجع ومراجعة.

لا يمكن قبول سياسة الحياد وعدم التفاعل مع المشاكل التي تعانيها المحاكم من قبل مسؤولي وزارة العدل، وعلى رأسهم الوزير المنشغل بوزارة الأوقاف عن العدل، فما يحدث في المحاكم لا يمكن اختزاله إلا بكلمة «المهزلة» لسوء الحال الذي وصلت إليه!

أقسام الحفظ ومخازنها امتلأت وتتعامل وفق النظام التقليدي وبمجرد حريق أحد المخازن، لا سمح الله، فإن الاحكام والمستندات التي تحويها تلك الملفات التي تقارب الــ4 ملايين ملف ستكون عرضة للضياع والفقدان، في حين أن العقل والمنطق يستوجبان من الوزارة الموافقة على إدخال نظام «الأمج» لحفظ الأحكام في كل المحاكم إلكترونيا وبشكل سريع بعد تكليف الموظفين المتخصصين ومنحهم مكافآت نظير تلك الاعمال، وهذا الأمر لا يحتاج إلى التعاقد مع شركات تكلف الخزينة العامة أضعاف ما يستحقه ذلك العمل!

موظفو قسم الاعلانات في المحاكم والذين أصبح عملهم اليومي طاردا لهم، يشتكون عدم صرف كوادر مجزية تناسب الاعمال التي يقومون بها علاوة على رفض الوزارة صرف أجهزة تساعدهم على عملية البحث، شأنهم شأن باقي المحاكم في الدول التي تعترف بقضائها!

مبان تعاني سوء الصيانة وسوء الخدمات الموجودة فيها، وتشتكي من قلة عدد موظفيها، وتفتقد أدنى درجات الرقابة على المخالفين منهم، ومحاسبة المتسبب إداريا جراء إهماله في تعطيل مصالح المتقاضين وضياع حقوقهم!

في كل عام قضائي، يتسبب عناد الوزارة إما في مشكلة تخص الطباعة أو أجهزة التصوير أو عقود النقل، والسبب عدم اهتمام الوزارة بتوفير تلك الخدمات التي تتطلبها العدالة لخدمة المتقاضين، والتي يدفع الناس عنها رسوما قضائية نظير الفصل فيها!

أهملت الوزارة، لسنوات، البحث عن مبان قريبة للمحاكم لاستئجارها بشكل يخفف الضغط الكبير الذي يعانيه مبنى قصر العدل، وبإمكانها أن تطلب من وزارة المالية ان تستعين بأحد المباني المجاورة المملوكة للدولة لصالح وزارة العدل، والمؤجرة بنظام البي او تي لنقل إدارة التنفيذ إليها على الأقل بكامل أقسامها أفضل من المقابل المادي الذي تأخذه الوزارة من تلك الشركة، مما سيخفف الضغط على مبنى قصر العدل ويساعد على فتح 10 قاعات قضائية على الاقل لنظر القضايا!

لا يمكن اليوم قبول المشهد المأساوي التي تعيشه المحاكم بسبب الاهمال الذي تعانيه، وسوء الخدمات التي تقدم رغم توافر كل البدائل التي من شأنها أن تقضي على كل تلك المشاكل، والتي على المسؤولين الالتفات اليها والابتعاد قليلا عن التربص بحق بعض الموظفين، ممن يقاضون الوزارة أو التربص بموظفين وإحالتهم إلى التحقيق لمجرد أنهم اطلعوا على قضايا تخص بعض المسؤولين، ويتوجب عليهم التركيز على ما هو أهم وما من شأنه رفعة العمل القضائي وتطوير أدائه والتسهيل عليه لتحقيق رسالته!