ينقل نيثان براوان في كتابه (حكم القانون في الدول العربية) عن كاتب إنكليزي مقولة عام 1914 تتحدث عن مصر بأننا- البريطانيين- أدخلنا مبادئ القانون الإنكليزي هناك، التي تقرر أن المتهم ولو كان مذنباً فلا تجوز معاقبته حتى تثبت إدانته على سبيل القطع، فلا إدانة حسب قاعدة المزاج الشرقي، ذلك الكاتب الإنكليزي كان يعلق على ذلك الإرث القانوني الذي أدخلته الإمبريالية البريطانية على مستعمراتها مثل مصر.
وكانت بداية الطريق لعالم الحداثة القانونية في خلق المحاكم المختلطة بقضاة من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا ومصر طوروا المبادئ القانونية في مصر منذ منتصف القرن التاسع عشر كي تصل إلى التشريعات المعاصرة في مصر، أولاً، وبقية الدول العربية في ما بعد. ويمتد العمر بمصر لتشهد، على سبيل المثال، قرار وكيل النيابة محمد نور الذي حفظ التحقيق عام 1927 في التهم الموجهة إلى طه حسين بالإساءة إلى القرآن في كتابه الشهير "في الشعر الجاهلي"، وكانت مذكرة الحفظ تلك آية رائعة في عمق البحث القانوني والفكري لمحمد نور.ويمضي الزمن إلى الأمام، بينما يظل الفكر القانوني يتقهقر إلى الخلف، في أحايين كثيرة، حسب النظام السياسي والواقع الاجتماعي للدولة، كي يصبح القانون ليس أداة لتغيير المجتمعات، كما يفترض، إنما مرآة عاكسة لأمراضها وأمراض السلطة، فنطالع، مثلاً، في العهد المباركي حكم التفريق بين المرحوم نصر حامد أبوزيد وزوجته في منتصف التسعينيات، لنصل اليوم إلى محطة الرعب في الحكم الأخير، لدائرة جنائية بمصر،الذي قضى بإعدام أكثر من خمسمئة وعشرين مواطناً مؤيدين في مظاهرة لحركة الإخوان (حسب ما تقول وسائل الإعلام) بتهمة قتل ضابط شرطة وتهم أخرى.ليس المهم، في هذه المناسبة، متابعة المزايدين مع النظام على صفحات الإعلام حين يبشروننا بأن الحكم ليس نهائياً ويعد غيابياً لعدد كبير من المتهمين ويمكن الطعن عليه والغاؤه أو تعديله، في ما بعد، وهم بذلك يضعون رتوش المكياج على وجه العدالة، التي لم تعد صورتها امرأة مغمضة العينين تحمل ميزان العدل بيد، وسيفاً في اليد الأخرى، توازن بين دعاءين وتحسم بتجرد العقل، إنما أضحت بشكل غولة بشعة تثير الخوف وليس الرهبة في قلوب المواطنين، ليسحق العدل، وتهدر كرامات البشر، المهم، الآن، أن ندرك حجم الندبة الكبيرة الغائرة في وجه العدالة بمصر بعد هذا الحكم، التي لن يكون مجدياً معها ترقيعات الكتابات السوداء لعدد من المحسويبن على التوجه الليبرالي بمصر، الذين أعمى عداؤهم للإخوان بصيرتهم، فاختلطت عليهم الأمور، أو، ربما، وجدوا في ضرب الدفوف للنظام وسيلة ارتزاق مريحة.القضاء ليس سيف انتقام، ولا يصح أن يكون أداة لتصفية حسابات سياسية قديمة، فليس سراً أن يعرف الكثيرون عن كراهية متأصلة بين حكم الرئيس السابق مرسي والسلطة القضائية حين حاول تحييدها أكثر من مرة بتصور أن الجهاز القضائي يمثل امتداداً للدولة العميقة من أيام مبارك، مما يصبح معها ذلك الحكم المخيف بمثابة رد صفعة لنظام الإخوان، فحقوق الناس وحرياتهم وأمنهم يفترض النأي بها عن مشاعر الغضب والانتقام.
أخر كلام
سيف عدل أم سيوف انتقام؟
27-03-2014