ما السبيل إلى ردع بوتين؟

نشر في 18-03-2014
آخر تحديث 18-03-2014 | 00:01
أدت سياسة «الاسترضاء» العقيمة، التي تبناها أوباما طوال السنوات الخمس الماضية، إلى أفظع الأعمال العدائية التي نفذتها إيران في سورية، والصين في بحر الصين الشرقي، وروسيا في أوكرانيا.
 واشنطن بوست تحدّى رئيس "مجلس شؤون العالم" في لوس أنجليس منتقدي سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه أوكرانيا، قائلاً: "ماذا تقترحون أن نفعل؟ نرسل فرقة 101 المحمولة جواً إلى القرم؟"، لكن كلامه هذا غير دقيق أو بالأحرى سخيف، خصوصاً أن لا أحد اقترح حلاً مماثلاً.

لا يُعتبر الحل البديل للوقوف على الهامش مكتوف الأيدي هو السير إلى الحرب، بل اتباع سياسة خارجية جادة. أدت سياسة "الاسترضاء" العقيمة، التي تبناها أوباما طوال السنوات الخمس الماضية، إلى أفظع الأعمال العدائية التي نفذتها إيران في سورية، والصين في بحر الصين الشرقي، وروسيا في أوكرانيا. لا نستطيع بالتأكيد تغيير ما حدث؛ لذلك لنضعه جانباً ونفكر في ما علينا القيام به راهناً.

ينبغي تحقيق ثلاثة أهداف، وهي من الأسهل إلى الأكثر صعوبة: طمأنة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وردع أي توغل روسي إضافي في أوكرانيا، وحمل روسيا على التراجع عن ضم القرم.

طمأنة حلف شمال الأطلسي:

قررنا إرسال الطائرات الأميركية لتحمي المجال الجوي لدول البلطيق، لكن هذا ليس كافياً.

1- لنرسل رئيس هيئة الأركان المشتركة إلى دول البلطيق لتنظيم المناورات المشتركة.

2- علينا القيام بالمثل مع دول حلف شمال الأطلسي الأربع التي تحد أوكرانيا: بولندا، وسلوفاكيا، والمجر، ورومانيا.

3- من الضروري والملحّ إعادة إحياء اتفاقات الدفاع الصاروخي السابقة التي عُقدت مع بولندا والجمهورية التشيكية، قبل أن يلغيها أوباما أحادياً بهدف استرضاء روسيا.

ردع روسيا في أوكرانيا:

1- يجب توسيع مناورات البحر الأسود التي تنفذها المدمرة الأميركية "تراكستون" راهناً بالتعاون مع رومانيا وبلغاريا. كانت هذه المناورات محددة مسبقاً؛ لذلك يجب إصدار الأمر بتنفيذ مناورات إضافية ومتواصلة.

2- من الضروري الإعلان أن أي اعتداء روسي إضافي خارج منطقة القرم سيؤدي إلى تجاوب حلف شمال الأطلسي بسرعة مع مطلب كييف لتزويدها بالأسلحة، كذلك سيمد حلف شمال الأطلسي أوكرانيا بعدد كبير من مدربيه ومستشاريه.

لا تشكّل هذه استراتيجية حرب، بل استراتيجية "احتواء مسبق"، علماً أن هذه الاستراتيجية حققت نجاحاً كبيراً طوال نصف قرن في ألمانيا وكوريا، فسيؤدي أي توغل روسي إضافي في غرب أوكرانيا إلى إرسال عدد من مستشاري حلف شمال الأطلسي ومدربيه إلى أوكرانيا، وهذا أمر لم يقدّم عليه حتى أكثر الحكام السوفيات هوساً بالتوسع، ولن يتجرأ بوتين نفسه على القيام به، نتيجة لذلك، ننشئ حلقة حماية حول الجزء الأساسي من غرب أوكرانيا على الأقل.

حمل بوتين على التراجع عن ضم القرم:

من الواضح أن هذه الخطوة الأكثر صعوبة، فضلاً عن أنها مستبعدة على الأمد القصير، فما من أوراق عسكرية يمكن الاستعانة بها، بما أن روسيا تملكها كلها، بالإضافة إلى ذلك، تبدو القوات الأوكرانية ضعيفة؛ لذلك يجب أن تقتصر الخطوات في هذا المجال على المناورات الدبلوماسية والاقتصادية.

أولاً، يجب أن يؤدي الاحتلال الروسي للقرم إلى طرد روسيا في الحال من مجموعة الثماني، ولتهدئة مخاوف أنجيلا ميركل، يمكننا تحقيق ذلك بانسحاب كل الدول الديمقراطية السبع من مجموعة الثماني لتعيد بعد ذلك تأليف مجموعة الدول السبع السابقة.

أما العقوبات الاقتصادية، فتبدو ضعيفة اليوم، فلم نحرك ساكناً في هذا المجال، حتى إننا لم نحدد أسماء، اكتفينا بالسماح بفرض عقوبات على أفراد.

من الضروري تحديد الأسماء وتجميد الحسابات، ولكن إذا أردنا حقاً تأثيرات فاعلة، فعلينا فرض عقوبات أوسع، ولتحقيق هذه الغاية، نحتاج إلى تعاون الاتحاد الأوروبي. تشمل العقوبات الأكثر فاعلية منع أثرياء روسيا وشركاتها ومصارفها من الاستفادة من النظام المالي الغربي، فهذا هو "الخيار النووي" الاقتصادي الذي حطّم إيران وحملها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولا شك أن تأثيراته ستكون مدمرة بالنسبة إلى اقتصاد بوتين.

لكن الألمان والفرنسيين والبريطانيين ما زالوا مترددين حتى اليوم، فتجمعهم بموسكو الكثير من المصالح الاقتصادية، ما يعني أننا لا نستطيع اتخاذ أي خطوات حاسمة على الأمد القصير أو حتى المتوسط، ولكن يمكننا بالتأكيد الضغط بقوة على روسيا على الأمد الطويل. ما السبيل إلى ذلك؟ كي نتمكن من فرض عقوبات فاعلة، يجب أولاً الحد من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، فيلزم أن يطلب أوباما من وزارة الطاقة تسريع إنشاء نحو 25 منشأة لتصدير الغاز الطبيعي السائل، ويفرض عليها اتخاذ كل القرارات في غضون ستة أسابيع.

ثانياً، من الضروري الدعوة إلى مشاورة ملحّة بين قادة الحزبين في الكونغرس بشأن أي زيادة طارئة في الإنفاق في مجال الدفاع، ما يعيد إلى الميزانية الدفاعية ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنوياً كي تحافظ القوات المسلحة الأميركية على قوتها الراهنة، إن لم نقل تزداد قوة. سيرفض أوباما هذه الخطوة، إلا أنها تبقى ضرورية. فما من خطوة تبرهن على الانسحاب الأميركي العالمي أكثر من موازنة تعيد الجيش الأميركي إلى معدلاته قبل عام 1940.

لا يُعتبر أوباما أول رئيس يتبع سياسة خارجية ضعيفة، فقد سار جيمي كارتر في خط مشابه، إلى أن غزت روسيا أفغانستان، عندئذٍ انقشعت الغشاوة عن عينيه، فجاء رده جريئاً: فرض حصار الحبوب على السوفيات، وقاطع الألعاب الأولمبية في موسكو، وزاد الإنفاق الدفاعي، وأرسل بوضوح زبيغنيو بريجنسكي وهو يلوح بالسلاح إلى "ممر خيبر" في تأكيد جلي على المساعدة العسكرية الكبيرة التي بدأت الولايات المتحدة بنقلها إلى المجاهدين. فكبّد تمرد هؤلاء المجاهدين الروس خسائر كبيرة خلال العقد التالي، ما لم يؤدِّ إلى خسارتهم أفغانستان فحسب، بل أضعفهم على نحو قاتل كقوة استعمارية عالمية.

إذاً، أيقظ الغزو كارتر من غفوته، فهل يوقظ أوباما أيضاً؟

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer

back to top