«كرنفال} راوي الحاج... رواية الدعابة والتهكم

نشر في 18-06-2014 | 00:01
آخر تحديث 18-06-2014 | 00:01
No Image Caption
صدرت الترجمة العربية لرواية {كرنفال} للكاتب اللبناني المقيم في كندا راوي الحاج، بترجمة ريتا بستاني عن شركة {المطبوعات للتوزيع والنشر}، وكان قد نشر فصل منها في مجلة {كيكا} التي يديرها الكاتب العراقي صموئيل شمعون.
أصدر راوي الحاج سابقاً رواية {مصائر الغبار} (أو لعبة دي نيرو) التي تقوم أساساً على ثنائية الاختيار بين العنف أو المنفى. رواية تكشف الأسرار وتتحدَّث ببساطة عن يوميات صديقين حميمين حتى القتل والخيانة، شهدا فصولاً من حرب لبنان البشعة، وهما {يشبّحان} في بيروت وضواحيها على رجالها ونسوتها وفتياتها القاصرات، ويتورطان في القتل فرديّاً وجماعيّاً، وهما يجولان مع السفلة في أجواء التعاطيات كافة مباحة فيها. كذلك أصدر {الصرصار} التي تجسد معاناة {الإنسان الصرصار}، معاناة الهجرة والمنفى. ففي جو من الانتقام والرغبة والهلوسة والأزمات، يحوك راوي حاج أحداث روايته متناولاً حياة المهاجرين إلى كندا، ويقدّم لها نهاية غير متوقَّعة البتة.

أما في روايته الجديدة {كرنفال} فيبدو الحاج أكثر تشويقاً، يُسلّط الضوء فيها على الحياة الملتوية والمتناقضة والجاذبة في المدينة الحديثة. {فلاي} سائق تاكسي ليليّ جوّال، لا ينتظر في رتل مع سيارته كالعنكبوت لالتقاط الركاب، بل يجوب الضواحي والنواحي والأماكن على أنواعها مثل بعوضة هائمة، ويسترزق ممن شرّدهم الليل وتاهت بهم الحياة في المدينة. بطل الرواية قذفته أمٌّ تعمل راقصة في سيرك بهلوانية لامعة بخصلها الذهبية، من أبٍ يعمل قبطاناً لكن لبساطٍ الريح وليس لطائرة... شبّ في هذه الأجواء وكبر على شغف كبير بمراقبة الآخرين.

رواية ساخرة تطرح أحداثها وأبطالها وأماكنها بقسوة الحياة نفسها وغرابتها. تدعو القارئ ليلتقي وجهاً بوجه بمجرمين وبائعات هوى ومعتوهين وسحرة وثوّار من الألوية الحمراء ومهرجين في كرنفال يبدو أنه بدأ في زمن لا يعرف أحد متى ينتهي. وقدّر لبطل الرواية أن يجري مع التيار ليراقب ما يدور حوله. من سيارته نرى العالم بجماله وبشاعته المهرجانيين.

السائق، أو السائقون يجوبون المدينة لا يهدأ عقلهم، في الليل والنهار هم باستمرار على تواصل مع أسوأ جوانب الحياة العصرية. يلتقون أناساً عاديين يذهبون إلى أماكن غير عاديّة، ومتمرّدين يحاولون أن يعيشوا حياة عادية. لكن مخالب الجوع والظلم تنشب في المدينة، ولا تظلّ إلا الكتب مأوى حقيقيّاً للجميع. وعندما يبدأ الكرنفال، تسقط الحدود وتسقط معها الطلقات الناريّة.

 رواية ساخرة وجريئة فيها من التهكم والطرافة والفكاهة والدعابة ما يكفي. قصة مهرّج وسائق تاكسي وجد نفسه متورّطاً في خصوصيات الآخرين فرواها بلا تردُّد. ليست الرواية قط مكملةً لروايتي الكاتب السابقتين بل بنت معلماً روائيّاً جديداً وإن يكن راوي الحاج حاضراً فيها بقوّة.

فيلم سينمائي

كأن {كرنفال} فيلم سينمائي بتصوير متقن لمشاهد حياتية قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى، لكنك تجد فيها الحياة كلها من طموحات ورغبات ونزوات وجنون وجشع ورغبة في القتل والتحرّش. في الفصول الثلاثة الأولى نعايش {فلاي} في حداثته وشطحه الجنسي الشبيه برحلات سندبادية إلى عوالم الحس والشهوة حين تتحول الرغبات الجامحة إلى مركب سكران لا دفة له ولا مجذاف، وتختلط السيرة الذاتية بالعمق التاريخي الممتد حتى الكنعانيين ومن ثم العثمانيين... وصولاً الى الألوية الحمر الإيطالية!

يمزج راوي الحاج في روايته بين فن الكتابة والحدث، روايةٌ مبنيةٌ على صورة الكرنفال بما يحويه من اختلاط وصور ووجوه مختلفة، وهي أيضاً عبارة عن {تراث ديني} حسب قول الكاتب، تتألف من مجموعة قصص قصيرة لأكثر من خمسين شخصية تتصارع بين الجنون وبين الواقع، يجمعها قاسم مشترك وهو الشخصية الأساسية ممثلة بسائق تاكسي نشأ في السيرك. بعد صدورها بالإنكليزيّة حازت رواية {كرنفال} جائزة Paragraphe Hugh MacLennan ، وهي الجائزة الأدبية الأرفع في كندا التي تُمنح للأعمال الأدبية المنشورة بالإنكليزيّة.

نبذة

راوي حاج كاتب وفنان تشكيلي ولد في بيروت عام 1964، ثم غادر إلى مدينة نيويورك عام 1984 وبعدها إلى مونتريال عام 1991 حيث يقيم حالياً. درس التصوير في كلية داوسون والفنون الجميلة في جامعة كونكورديا، ويحمل شهادة الماجستير من جامعة كيبيك في مونتريال. أصدر العام 2006 باكورته الروائية {لعبة دنيرو} التي حازت جوائز مرموقة في الأدب الإنكليزي العالمي. في العام 2008 صدرت له رواية {الصرصار} التي رشحت لجوائز أدبية عالمية. وآخر رواية صدرت له العام الماضي بعنوان {كرنفال}. حقّق راوي حاج نجاحاً كبيراً حول العالم، وبدأ انتشاره يتّسع في العالم العربي على أثر إصدار روايتيه بالعربية، مستقطباً اهتمام القرّاء العرب.

back to top