تمنح الدولة في مصر جوائز تقديرية وتشجيعية للمبدعين، من بينها جائزة النيل في الفنون (400 ألف جنيه مصري وميدالية ذهبية)، ثلاث جوائز تقديرية في الفنون (قيمة الجائزة 200 ألف جنيه مصري وميدالية ذهبية) وجائزتان للتفوق في الفنون (100 ألف جنيه مصري وميدالية فضية). وفي كل عام، تثير النتائج لغطاً كبيراً بسبب ما يُطلق عليه {التربيطات} و}الشللية}، فضلاً عن انحياز أعضاء اللجنة التي يشكلها المجلس الأعلى للثقافة إلى أسماء غير جديرة بالفوز، وتجاهل قامات إبداعية كبيرة لمجرد أن أصحابها لا يملكون شبكة علاقات واسعة تتيح لهم مطاردة أعضاء اللجنة باتصالات ضاغطة، أو لا يتمتعون بـ {خفة ظل} أو هم ليسوا أعضاء في {شلة} ما!

Ad

يُحكى في هذا الصدد أن أحد المرشحين للجائزة راح يكثف اتصالاته بأعضاء اللجنة، ويستعطفهم أن يمنحوه الجائزة لأنه مريض، وعلى وشك الموت، ويريد أن يترك لعائلته شيئاً يثير فخرهم، بينما أصرّ آخر على الاتصال بكل عضو على حدة، وراح يتوسل إليه أن يمنحه صوته حتى يحفظ له ماء وجهه، ولا يخرج من السباق من دون أصوات، ونجحت الحيلة في أن تجعله يحصد أصوات غالبية أعضاء اللجنة، وفاز بجائزة الدولة التقديرية في الفنون!

مع إعلان جوائز العام 2013 /2014 كانت المفاجأة أن اللجنة منحت جوائزها التقديرية في الفنون إلى المخرج التلفزيوني مجدي أبو عميرة، والفنان سناء شافع والكاتب والناقد التشكيلي عز الدين نجيب، فيما منحت جائزة التفوق في الفنون للمخرج مجدي أحمد علي، وحجبت الجائزة الثانية التي تنص عليها اللائحة. وفي فرع الإخراج السينمائي، منحت اللجنة جائزة الدولة التشجيعية (50 ألف جنيه مصري) للمخرجة الشابة هبة يسري عن فيلمها التسجيلي الطويل {ستو زاد}، فيما خلت القائمة من اسم المخرج الكبير سعيد مرزوق، الذي رشحته نقابة المهن السينمائية!

كان مرزوق الأحق بالجائزة التقديرية ليلحق بطابور المبدعين الذين حصلوا عليها سابقاً، أمثال: صلاح أبو سيف، بركات، ممدوح الليثي، وحيد حامد، محفوظ عبد الرحمن ويوسف شاهين، الذي فاز بالتقديرية ثم جائزة {مبارك}، قبل أن تتحول إلى {النيل}. فهو لا يقل موهبة وكفاءة واقتدار وإبداع عنهم، بل يمكن القول من دون مبالغة إن سعيد مرزوق حقق من الإنجازات ما جعله يتبوأ مكانة خاصة بين مخرجي السينما المصرية، والعربية، بل إن موهبته حظيت باحتفاء دولي كبير تمثل في فوز فيلمه التسجيلي القصير {أعداء الحرية} بالجائزة الثانية في مهرجان لايبزج للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 1967، وفوز فيلمه {المذنبون} بجائزة التمثيل رجال (عماد حمدي) في أول دورة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1976. كذلك انتزع جوائز الجمعيات السينمائية الأهلية غير الحكومية بجهده، وموهبته؛ إذ لم يُعرف عنه يوماً بأنه صاحب شبكة علاقات تفرضه على المهرجانات، وتمنحه جوائزها بالمجاملة، لكنه {العصامي} الذي شق طريقه بمفرده، وأوجد لنفسه لغة خاصة ورؤية متفردة، حتى صار أحد كبار {المُجددين} في السينما العربية، وعلامة فارقة في تاريخ الإخراج المصري، بأسلوبه الفني المُدهش الذي أجبر مخرجين كثراً من بينهم يوسف شاهين، على تغيير جلدهم، حسبما أكد لي النجم نور الشريف.

سعيد مرزوق، الذي ظلمته لجنة جوائز الدولة، اختيرت ثلاثة من أفلامه هي: {زوجتي والكلب}، {أريد حلاً} و}المذنبون} ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، التي شاركت فيها نخبة من النقاد عام 1996، وظلت أفلامه محور اهتمام، ودراسة، المحللين الذين انبهروا بطموحه الفني وحسه التشكيلي وسعيه إلى تحقيق حلمه متحدياً الظروف التي حالت بينه والالتحاق بمعهد السينما، بعدما وجد نفسه مسؤولاً عن رعاية أسرته، في أعقاب وفاة والده. ونجح في أن يثبت نفسه، ويؤكد ذاته،  بثقة هائلة في موهبته، وبروح متفائلة يغلب عليها التسامح، ويُصبح {صاحب مدرسة} في الإخراج؛ فالرجل لم يكتف بفهم حرفية السينما، والتجديد في لغتها، وإنما حرص، في غالبية أفلامه، على أن يقترب من هموم المواطن، ويشتبك مع قضايا الوطن الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، وتبنى مواقف جرى عليه كثير من المشاكل، وأوقعته في كثير من الأزمات. لكنه أبداً لم يتزحزح عن موقعه، ولم يتنازل عن مبادئه أو يُفرط في قناعاته، طوال رحلته التي بدأها العام 1971 بفيلم {زوجتي والكلب}.

الغريب في الأمر أن كل المعايير المحددة، والشروط الصارمة للترشح للجائزة، تنطبق تماماً على المخرج الكبير سعيد مرزوق بما يعني أحقيته وجدارته بالفوز بها، ومن ثم يُصبح تخطيه بمثابة اللغز الذي يحملنا إلى الظن أن الفوز بجوائز الدولة لا يحتاج إلى صاحب الموهبة وإنما يبحث عن {الظاهرة الصوتية}!