الأمان في ظل الجنرال

نشر في 28-05-2014 | 00:01
آخر تحديث 28-05-2014 | 00:01
وكأنها معادلة رياضية لا تؤدي إلا إلى نتيجة واحدة، تجربة كيميائية بسيطة نعرف مسبقاً ما ستُفضي إليه لكننا نكررها لنتأكد فقط مما كنا نعرف... ونبتسم.

يندفع الملايين إلى الشوارع معبّأين بالغضب والأحلام، ينجحون في إزاحة "عدوهم" ويتخيلون أنهم انتصروا، لتبدأ سلسلة النزاعات والإعدامات المتبادلة، والاتهامات المحفوظة، فتتراجع الأحلام حتى لا تتجاوز فكرة العودة إلى الاستقرار والأمان، ويتبدد الغضب ليحل مكانه الإحباط والاكتئاب والملل، ولا يبقى إلا منقذ وحيد وأخير سيادة الجنرال.

ليس المصريون استثناءً... تكرر المشهد من أميركا اللاتينية حتى إفريقيا: انتفاضة شعبية هائلة تطيح بالديكتاتور فتبدو الأحلام ناضجة تنتظر القطاف ثم تبتعد تدريجياً وتغرق البلاد في الفوضى.

عانى الفرنسيون بعد ثورتهم صراعات السياسيين وإرهاب الجماعات السرية الغامضة وفجور اللصوص وقطاع الطرق، فلم تَعُد شعارات الحرية والإخاء والمساواة كافية لإرضاء شعب يعاني الانهيار الاقتصادي والانفلات الأمني، حتى جاء نابليون ليقسم اليمين وسط ترحيب شعبي جارف مرتدياً ملابس مدنية حتى لا يقال إن "العسكر قطفوا ثمار الثورة".

تدخل مصر بثقة المرحلة البونابرتية بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات، لكنها لا تحاكي سوى نفسها. فصعود المشير عبدالفتاح السيسي لا يشبه إلا قصة محمد علي، قائد عسكري آخر صعد إلى عرش مصر بعد ثورة شعبية هائلة قطف أيضاًً ثمارها وحده.

قاوم المصريون حملة بونابرت حتى هزموها، ثم استمرت الحالة الثورية فأطاحت في أربع سنوات خمسة حكام، بينهم اثنان قُتلا، وبعدها اختاروا قائد أهم فرق الحامية العثمانية ليقود البلاد وسط تأييد شعبي جارف.

تحمل الجماهير بكل إخلاص قائد الجيش على أعناقها، ملّت من ألاعيب السياسيين ومؤامراتهم، لم تعُد تقبل المزيد من الحذلقة والسفسطة، لم تعُد تصغي لوعود الحريات أو الكرامة الإنسانية، لا يريد الناس إلا وعداً وحيداً... الأمان في ظل سيف الجنرال.

لكن تشابه قصص الصعود لا يعني تماثل المآلات، أو تطابق طريقة الحكم، فلن نعرف كيف سيدير السيسي شؤون تسعين مليون مصري إلا بمراجعة سيرة ضابط آخر... هو جمال عبدالناصر الذي يعتبره المشير مثله الأعلى.

لن يكون السيسي عبدالناصر جديداً، وهو بالتأكيد ليس ناصرياً بالمعنى التقليدي الذي عرفته أحزاب وتنظيمات اليسار القومي، وإلا لما كانت شعاراته وبرنامجه يحملان هذا الاختلاف عن منافسه حمدين صباحي القادم من "ناصرية الشارع" في حين ينتمي الرئيس الجديد إلى "ناصرية الدولة" التي حافظت عليها مؤسسات مثل الجيش والمخابرات والخارجية، إنها ناصرية أكثر براغماتية، ناصرية أسامة الباز وعمرو موسى وأبوغزالة وربما عمر سليمان.

ما نعرفه حتى الآن أن مصر المنكفئة على نفسها لم تعد موجودة، وجاءت بدلاً منها مصر التي تملك قوة تدخل عسكري سريع جاهزة للتحرك خارج الحدود حسب تصريحات المشير شخصياً، وأن مطالب العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي تحتل أولوية، بينما فكرة الديمقراطية نفسها ليست محل ترحيب.

نفى محمد علي قائد الثورة الشعبية التي حملته إلى الحكم عمر مكرم الذي كان زعيماً شعبياً بامتياز، ولا يقبل السيسي شريكاً له في "بطولة" إزاحة الإخوان، انتهى تحالف "30 يونيو" بين المؤسسة العسكرية التي انحازت للشعب و"جبهة الإنقاذ" التي قادت هذا الشعب، المسرح ليس مهيأ سوى لبطل واحد وهو لا يقبل شراكة رغم أنه قد يضطر لقبولها. غير أن تلك قصة أخرى.

back to top