خلال مؤتمره الصحافي السنوي الماراثوني في وقت سابق من هذا الأسبوع، نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشر صواريخ "إسكندر إس إس- 26" الباليستية التكتيكية قصيرة المدى في منطقة كاليننغراد الغربية. وتناقض كلمات بوتين تصريحات صدرت قبل أيام قليلة عن الميجور جنرال إيغور كوناشنكوف الذي قال "إن وحدات الصواريخ والمدفعية في المقاطعة العسكرية الغربية مزودة حقاً بأنظمة صواريخ إسكندر التكتيكية". وعلى النقيض يقول بوتين إن قراراً لم يتخذ بعد بصورة نهائية.

Ad

وسواء أكانت الصواريخ موجودة (تقول الصحيفة الألمانية "بيلد" إن لديها صورة عبر الأقمار الاصطناعية تظهر وجود تلك الأنظمة في مواقعها) أو ما إذا كانت روسيا لم تتوصل بعد إلى بلورة خططها بشكل نهائي، هل يتعين على الولايات المتحدة أن تقلق بشأن إمكانية نشر صواريخ "إسكندر" وتفعيلها في كاليننغراد؟

يتمتع صاروخ "إسكندر" بمدى يصل إلى ما يقارب 310 أميال، وقد صُمم ليكون بديلاً أكثر دقة من صاروخ "سكود" الأقدم والأقل موثوقية الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية. ويهدف هذا الصاروخ إلى توجيه ضربات أكثر دقة وتحديداً، وهو أسرع من الصوت وينطلق بأكثر من 5 "ماك" (أي خمسة أمثال سرعة الصوت)، ويتمتع الصاروخ بدرجة عالية من المناورة أثناء التحليق في الأجواء بغية تفادي الوسائل الدفاعية المضادة، كما يمكن إعادة توجيهه بعد الإطلاق إذا كان يلاحق هدفاً متحركاً. ويمكن تزويد "إسكندر" بمجموعة متنوعة من الرؤوس الحربية النووية التكتيكية وفقاً للمهمة المطلوبة، ويمكن استخدامه أيضاً لأغراض التشويش على الاتصالات وتدمير التحصينات أو استهداف وحدات برية.

إذا تم نشره وتفعيله في إقليم كاليننغراد، فإن صاروخ "إسكندر" سيتمكن من ضرب أهداف في الدول الأعضاء الجديدة في حلف شمال الأطلسي مثل بولندا ودول البلطيق، بما في ذلك المواقع التي وضعت جانباً على شكل مكونات أرضية دائمة لنظام الدفاع الصاروخي الباليستي الأميركي في أوروبا- أنظمة الرادار وتجهيزات الاعتراض الأرضية، على الرغم من أن خطط الولايات المتحدة في الوقت الراهن لنصب صواريخ أكثر تقدماً من طراز SM-3 IIB (إس إم- 3 أي أي بي) في بولندا عُلقت على مدى عقد من الزمن ووضعت قيد الانتظار. ولا يشكل صاروخ "إسكندر" في كاليننغراد تهديداً الى أراضي شركاء روسيا التقليديين الأوروبيين في الغرب الأبعد خصوصاً ألمانيا. وقد يشير ذلك، إلى جانب تعليقات بوتين الإضافية حول وجود أسلحة نووية تكتيكية أميركية في أوروبا "لا تخضع لسيطرة" الأوروبيين، إلى أن موسكو تريد إعادة ترتيب القضية بعيداً عن فكرة "روسيا ضد الغرب" والمضي نحو دفع "أوروبا العتيقة" إلى التشكيك في قيمة وفعالية قيام الأعضاء الجدد في حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بخطوات تضاعف العلاقات مع روسيا.  وفي حقيقة الأمر فإن روسيا هددت بصورة منتظمة بأنها ستقوم بنصب صواريخ إسكندر إذا مضت الولايات المتحدة وشريكاتها في حلف شمال الأطلسي في تطوير نظام الدرع الصاروخي، وكان الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف صرح بأن صواريخ إسكندر ستنشر بعد يوم واحد من انتخاب باراك أوباما في شهر نوفمبر من سنة 2008. ولكن روسيا في الماضي لم تنفذ مثل هذه التصريحات وذلك بسبب تخوفها من أن يفضي هذا إلى مشكلات في علاقاتها مع الغرب. وإذاً ما الذي ربما غير الحسابات الروسية؟

أولاً، انتهت عملية إعادة الترتيب. وفي الماضي كان إحجام روسيا عن نشر مثل هذه الأسلحة القوية في منطقة محاطة بدول أعضاء في حلف شمال الأطلسي يرجع إلى توقع صدور خطوات مماثلة، كما أن موسكو كانت فسرت، بشكل مبدئي، قرار إدارة أوباما في شهر سبتمبر من سنة 2009 حول إلغاء برنامج الدرع الصاروخي العائد إلى عصر بوش على شكل إشارة تصالحية. ولكن فريق أوباما مضى نحو إعادة تشغيل، وليس التخلص من، خطط بوش.

كانت الولايات المتحدة تقول دائماً إن نظام الدرع الصاروخي في أوروبا يهدف الى مواجهة تهديد محتمل من جانب إيران، وهو زعم قوبل على الدوام بشكوك في موسكو. وهكذا عندما تم توقيع اتفاقية مؤقتة في جنيف تحدد خارطة طريق لتسوية حول برنامج إيران النووي كانت روسيا تتوقع صدور إشارة تفيد بأنه مادامت إيران علقت أنشطتها النووية قد تعمد واشنطن بدورها إلى تعليق خططها المتعلقة بالدرع الصاروخي. وقد أثار بوتين وغيره من المسؤولين الروس هذه المسألة متسائلين عن سبب مضي الولايات المتحدة في نشر مكونات الدرع الصاروخي مع إعلان التقدم الدبلوماسي مع إيران. وسوف يكون نشر صواريخ "إسكندر" الإشارة الأكثر وضوحاً من جانب موسكو بأنها لا تقبل المنطق الأميركي المتعلق بذلك النظام الدفاعي، وربما تعمد أيضاً إلى توجيه ضغط على الدول الأوروبية من أجل سؤال واشنطن عن مستقبل "الدرع الصاروخي" إذا ما تم التوصل إلى تسوية مع إيران.

وفيما يتوافر تفاؤل حذر بشأن اتفاقية دائمة محتملة مع إيران، فإن المنافسة الجيوسياسية مع الغرب حول أوكرانيا- وهي قضية كانت موسكو تعتقد أنها انتهت بعد انتخابات أوكرانيا في سنة 2010-  قد عادت من جديد. وعلى الرغم من تشديد الولايات المتحدة المستمر على انها لا تعترف بأي "ميادين للنفوذ" بشكل عملي بعد العملية العسكرية في جورجيا في سنة 2008، فإن الولايات المتحدة تراجعت عن الجهود العلنية الرامية إلى تحسين تغييرات رئيسية في ميزان القوى الأوراسي. ومع عودة أوكرانيا الى ساحة المنافسة شهدنا أيضاً- خلال السنة الماضية- أكبر تدريبات عسكرية روسية على حدودها الغربية منذ نهاية الحرب الباردة وأول مناورات رئيسية لحلف شمال الأطلسي في الشهر الماضي مع أعضائه الجدد بهدف التعامل مع غزو محتمل من عدو خارجي كبير لم يذكر اسمه.

الولايات المتحدة التي لا تزال تركز على العمليات المستمرة في الشرق الأوسط وملتزمة باستراتيجية إعادة التوازن التي تعطي أولوية إلى منطقة آسيا- الباسيفيكي لم ترغب في "العودة" بالقوة إلى أوروبا. ويتمثل السبب الثانوي وراء نشر الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية في كونه إشارة على جدية التزام الولايات المتحدة بتأمين الأعضاء الجدد في حلف شمال الأطلسي، لكن دون اللجوء إلى إرسال أعداد كبيرة من القوات أو العتاد الأميركيين. وسوف يشكل نشر صواريخ "إسكندر" الروسية في كاليننغراد تحديا ًرئيسياً للتقييم المتعلق بالتزامات أميركا الأطلسية في تلك المنطقة الذي يرى أن ذلك سوف يتم بتكلفة ومجازفة متدنية.

وفي الوقت ذاته، على أي حال، فرغم كون نظام إسكندر يعد تهديداً حقيقياً محتملاً، فإنه سيعد إجراءً رمزياً إلى حد كبير، فبطاريات الصواريخ القصيرة المدى ليست مثل التشكيلات الكبيرة من القوات الهجومية المعدة لاجتياح الحدود. ولن تكون بولندا- والقوات الأميركية فيها- عرضة بقدر أكبر مما هي عليه الآن لهجوم روسي. وعلاوة على ذلك، فإن نصب صواريخ "إسكندر" (وقد تم نشرها في أنحاء أخرى من روسيا أيضاً) هو طريقة سهلة بالنسبة إلى الكرملين للإشارة إلى أنه يحمي روسيا. والولايات المتحدة محقة في التشكيك في نوايا روسيا، وفي الإعراب عن قلقها، ولكن كما هو الحال مع تحليق طائرتي "باكفاير" قديمتين فوق الكاريبي، فإن من المهم عدم المبالغة في ردة الفعل.

* نيكولاس غفوسديف | Nikolas Gvosdev بروفيسور في دراسات الأمن القومي في الكلية الحربية البحرية الأميركية