الأم في الشعر الحديث: غياب وحضور

نشر في 20-03-2014 | 00:02
آخر تحديث 20-03-2014 | 00:02
No Image Caption
تحضر الأم في نتاج الشعر الحديث فتطل برمزيتها تارة وتظهر جليةً في نصوص أخرى تارة أخرى، وتغيب عن بعض التجارب الحديثة في الشعر أحياناً. تعزو الشاعرات هذا التراوح بين الحضور والغياب إلى أسباب عدة، في مقدمها التحولات التي طرأت على الفرد بعد الثورة التكنولوجية والتغيرات التي يعيشها العالم العربي راهناً، ما أدى إلى إهمال الكتابات المفعمة بالمشاعر الخاصة جداً، لاسيما بعد انفتاح التجارب الحديثة على المحيط الإقليمي، هرباً في التقوقع في المحلية.
«الجريدة» التقت شاعرات خليجيات لرصد آرائهن حول حضور الأم في التجارب الشعرية الحديثة.
ترى الشاعرة جنة القريني أنَّ نُدرة النتاج الشعريّ الحقيقيّ،  عموماً، هو الأكثر وضوحاً، وليس النتاج المتعلق بموضوع الأم خصوصاً، تقول: «رغم كثرة الكتابات المُدرجة تحت مُسمّى «الشعر»، إلا أنني لا أجد، شخصياً، ما أُسمّيه شعراً إلا  أقلّ  القليل،  لأنّ الجهل باللغة وبماهيّة الشعر، والتهاون في إطلاق المُسمّيات والألقاب والصفات على مَنْ لا يَستحقونها في الغالب، أَدّيا إلى كوارث أثّرت على المستوى الثقافي، ليس في الكويت فحسب، إِنَّما في الوطن العربيّ بأسره، لاحظت ذلك من خلال متابعتي لِما يُكتب».

تؤكد القريني أن الأم لم تسقط من ذاكرة الشعراء على مدار العصور، وتضيف: «الأمّ  بكلّ ما تحمل من معانٍ  نجدها مُخَلّدةً في قصائد الشعراء عبر العصور منذ ما قبل الإسلام وحتى العصر الحديث، ومَن يشأْ يَعُدْ إلى الكتب والمراجع في الإسلام وحتى العصر الحديث التي ذكرَت نماذج من أشعارهم التي تناولت الأم بكثير من التقديس والحب العميق. فانظر إلى المتنبي حين يرثي جدته بقوله:  «أَحِنُّ إلى الكأسِ التي شَربتْ بها/  وأهوى لمثواها التُّرابَ وما ضَمّا». وهذا أبو القاسم الشابي يقول: «بوركتَ ياحَرَمَ الأُمومةِ والصِّبا/ كمْ فيكَ تكتملُ الحياةُ وتَقدُسُ».

 تتابع: «أذكر أنني قرأتُ البيتَ الشهير لحافظ ابراهيم: «الأُمُّ مدرسةٌ إذا أعددتَها / أعددتَ شعباً طَيِّبَ الأعراقِ»، للمرة الأولى في مدرسة الأحمدي المشتركة «ابتدائي/ متوسط»، حيث كان مكتوباً في لوحة كبيرة معلقة قرب جرَس المدرسة، وأخذتُ أُردّده حتى حفظتُه، وكان دافعي إلى قراءة هذا الشاعر الكبير».

تستطرد القريني في استعراض نماذج شعرية أخرى، وتقول:»لا أنسى أمير الشعراء أحمد شوقي الذي أبدع في وصف قلب الأم، وحنوّ الجدة. أيضاً تغنى السياب بالأم، كذلك عبد الرزاق عبد الواحد، مظفر النواب، سميح القاسم، وآخرون... لا مجال لحصرهم».

توضح أنه «إذا كانت صورة الأم لدى نزار قباني: «صباح الخير ياحلوة/ صباح الخير يا قدّيستي الحلوة»، ومحمود درويش في {أحِنُّ إلى خُبزِ أُمّي وقهوةِ أُمّي، وتعاليم حورية»، معروفةً لدى متذوقي الشعر، فهذا عائد إلى الشهرة العريضة التي يتمتع بها هذان الشاعران، نتيجة تحوّل قصائدهما إلى أغنياتٍ جميلة حفظتها القلوب. كذلك عُرف الشاعر جوزف حرب الذي رحل عنا أخيراً، بقصائده الجميلة عن أمه بالفصحى والمحكية اللبنانية. إذاً، تزدهر قصائد الشعراء بموضوع «الأم»، قديماً وحديثاً، ولا أرى ندرة في تناول هذا الموضوع».

الأم تسأل

تلفت الشاعرة السعودية هدى الدغفق إلى تزامن موعد الاحتفاء العالمي بعيد الأم (2014/3/21) واليوم العالمي للشعر، «وهو مدعاة للتفكير في تلك الواهبة روحها وقلبها إلى أسرتها المتمثلة في الزوج والأبناء وأهلها أيضاً، ألا وهي الأم».

 تتساءل: «ما الذي أهداه المبدعون إلى أمهاتهم من فكرهم المقروء وعلى وجه الخصوص الشعراء؟»  وتجيب: «لعلي ألمّح إلى مسألة تتعلق بالفن الأدبي، بمقارنة بين القصة والشعر في ما يتعلق بموضوع الأم، يبدو حضور الأم في القصة القصيرة أرحب منه في الشعر، لكنه حضور يتجنى على بهاء أمهاتنا، ويصور  للقارئ جفاف حناياهن وشراستهن. ويشترك الشعراء والقصاصون في ترسيخ تلك الفكرة أحياناً».

 تضيف: «من خلال قراءة شعرنا الجديد، طابت لي فكرة المقارنة بين حضور الأم وحضور الجدة، واكتشفت أن حضور الجدة لدى شعرائنا كان أقوى من حضور الأم، والحقيقة أنني لا أملك تحليلا منطقياً لتلك المسألة. من ناحية أخرى تجيد شاعرة رائدة مثل فوزية أبو خالد استكمال دائرة التواؤم ورسم معالم الانسجام ودرجة التقارب بين روحين هما روح واحدة في أصلها، تمثلها الأم، واتضح ذلك في قصيدتها «حبل السرة»، وفي هذا الجزء الذي اختتمت به قصيدتها «طفلتان»: «من يمكن أن يفك اللغز... من تكون الأم ومن الطفلة؟»

تتابع: «يشترك الشاعر أحمد كتوعة مع أبو خالد في فكرة الإهداء الموجه إلى الأم  فقد أهدى  كتوعة ديوانه «إلى زين... أمي»، وخلا ديوانه «كرة صوف لفت على عجل» من مشهد، أو قصيدة ذات صلة

بـ «الأم»، ما يفاجئ القارئ ويضاعف شعور الدهشة لديه من شاعر يمتلك كل هذه المخيلة المنبسطة، وهذا الحس الرفيع الذي يدفعه إلى إهداء  ديوانه كاملا للأم، ولا يسجل قصيدة خاصة بها في ديوان آخر؟!»

 تلاحظ الدغفق أن حضور الأب لدى الشعراء والشاعرات كان أقوى من حضور الأم، موضحة أن ذلك يخضع لطبيعة التأثر بالنموذج الأقوى اجتماعياً، والأكثر حضوراً على السطح، «ثمة  قصائد يطول المشهد الشعري فيها عندما يسجل فكرة تتعلق بالأبوة، بينما تتضاءل المساحة عندما تحضر الأم في المقطع الشعري، ويتضح ذلك لدى شعرائنا وشاعراتنا، ما يؤكد القول بتأثر الشاعر «من دون تحديد جنسه» بنظرة مجتمعه المحافظ المتحفظ، خصوصاً إذا لامس الموضوع أهل بيته».

تعتبر الشاعرة هدى أشكناني أن الشعراء تأثروا، كغيرهم، بالتطور التكنولوجي بداية، ثم بما يحدث في عالمنا العربي راهناً، تقول: «من الصعب الخوض في تفاصيل ربما لا يلتفت إليها الناس، لذلك أعتقد أنه مع التغيرات الحاصلة في عالمنا العربي ومحيطنا العالمي تغيرت مفاهيم عدة، ومنها الأم التي أصبحت مرادفة للوطن، الأرض، الحياة وغيرها، ما يبرهن  تأثير سطوة رمزيتها».

تضيف: «كتابة نص عن «الأم» بمعناها الحقيقي نادر الحدوث! فمع متغيرات العصر والطفرة الإلكترونية، تلاشى الحس الإنساني، وصرنا أشبه بآلات، استبدلنا أعضاءنا الحية بأعضاء لا روح فيها، فلا مكان للمشاعر والأحاسيس الأسرية الحميمة».

تشير إلى أن «البعض يجد أن ثمة موضوعات أهم  من الكتابة عن المحيط الخاص أو الشخصي، معتبراً أن الشعر حياة وانفتاح ولا يؤطر ببقعة محددة (الجانب المحلي)، لذا يفضل الكتابة بشكل عام من دون توضيح يذكر لمفهوم الأم أو غيرها من المفاهيم».

تلفت الشاعرة دلال البارود، إلى أن البعض يعتبر أن موضوع الأم مستهلك وقد كُتب فيه الكثير ويخشى ألا ترضي نصوصه ذائقة المتلقي، «لأن الجميع يبحثون عن الابتكار الجديد مهملين ما يغادره الشعراء من متردم، وقد تطغى الخصوصية على هذه العلاقة، فلا يرغب أحد في نبشها».

تضيف: «كما هو معروف، تعني كتابة القصيدة توقيع عقد مع الفضيحة، وقليل هو المفضوح، مع أنني أرى أن امتداد رمز الأم ما زال ممكناً ووجودها في القصيدة حب لا بد منه، سواء كان مجازاً أو حقيقة، فحضورها يستدعي عمقها لأن الام ليست شخصا فحسب بل هي أول آخر يعكس ذواتنا، القصيدة أم».

back to top