الحرب العالمية الثالثة
«ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب... الله يعطي من يشاء فقف عند حد الأدب»... قلتها لنفسي، وأنا أغادر صالة العرض التي شاهدت فيها فيلم «الحرب العالمية الثالثة»، فالإيرادات الضخمة التي حققها الفيلم، وجعلته يحتل المركز الأول في شباك التذاكر، متفوقاً على أفلام موسم عيد الفطر المبارك: «الفيل الأزرق، صُنع في مصر، جوازة ميري، عنتر وبيسة، تمثل لغزاً مستعصياً على الفهم، إضافة إلى أن الطفرة التي حققها الثلاثي: هشام ماجد، أحمد فهمي وشيكو في التجربة الجديدة تُعد غير متوقعة مقارنة بأفلامهم السابقة: «ورقة شفرة، سمير وشهير وبهير، بنات العم»!أيقن الثلاثي أن الفيلم سيثير ضجة في حال اكتشاف أنه مأخوذ عن الفيلم الأميركي night at the museum {ليلة في المتحف} (إنتاج 2006) من إخراج شون ليفي وبطولة بن ستيلر، الذي تدور أحداثه في متحف الشمع، ويستدعي الشخصيات التاريخية، فما كان منهم سوى أن صدَروا الفيلم بمقدمة ساخرة تقول: {هذا الفيلم ليس مسروقاً من فيلم {ليلة في المتحف} لكنه شبهه قوي قوي}، ولهم مطلق الحق في هذا لأن اقتباس الفكرة لم يورطهم في السطو على الفيلم الأميركي بأكمله، وإنما قدموا واقعاً ينطق باللسان المصري، وتوقفوا عند شخصيات لا تستطيع أن تتجاهل نكهتها الكوميدية، فالأحداث تبدأ في الحارة من خلال {خالد} (أحمد فهمي) الذي يتسبب في مشاكل عدة لوالده {منصور} (محمود الجندي)، وتقوده هواية كرة القدم إلى دخول قصر مهيب هو في حقيقة الأمر متحف للشخصيات التاريخية يضم: توت عنخ أمون، محمد علي، أحمد عرابي، بيتهوفن، أينشتاين، أبو الهول، غاندي، الإسكندر الأكبر، رأفت الهجان، أم كلثوم، الفيس بريسلي، وبوب مارلي!
في السيناريو والحوار الذي كتبه مصطفى صقر ومحمد عز الدين عن قصة كتبها الثلاثي وأخرجها للشاشة أحمد الجندي يُصبح لقاء {خالد} والأساطير التاريخية فرصة لتعريتهم، والسخرية منهم، والتطاول عليهم إذا اقتضى الأمر. فأبو الهول مرتش يُبرم صفقة مقابل سيجارة حشيش أو قرص مدمج عليه فيلم {حلاوة روح} (!) و{محمد علي} (بيومي فؤاد) ضعيف الشخصية أمام {توت عنخ أمون} (شيكو)، الذي يحكم المتحف. أما {علاء الدين} (هشام ماجد) فهو مجرد مغامر ومحتال في نظر الرموز التاريخية، بينما {أحمد عرابي} مختال بنفسه أكثر من اللازم. لكن الفيلم يفوت على نفسه، وعلينا، فرصة محاكمة الرموز التاريخية بناء على دلائل وأسانيد ووثائق، وليس مجرد اتهامات مُرسلة أو {إفيهات} فارغة، إذ أن أصحابه اختاروا، في ما يبدو، {الاستسهال} نهجاً لهم، ولم يجهدوا أنفسهم في البحث عن مواطن الزلل والضعف كسبيل لعقد محاكمة حقيقية للرموز كان يمكن أن تضيف للفيلم الكثير من الأهمية، بدلاً من أن ينجرف الفيلم وراء {اسكتشات} ساذجة، ومواقف عبثية لا تخلو من سطحية! من هنا جاء الجزء الخاص بالشريرة {هويدا} (أنعام سالوسة)، وخطتها الجهنمية للسطو على كتاب يحتوي على تعويذة تفك اللعنة التي أصابت أشرار العالم، أكثر اتساقاً، وموضوعية، ومصداقية، وإقناعاً. فالفوهرر {هتلر} (علاء مرسي) يسعى إلى تعويض هزيمته بإشعال {الحرب العالمية الثالثة}، ويضم إلى صفوف جيشه الجديد: هولاكو، نابليون، دراكولا، ريتشارد قلب الأسد، أبو لهب وريا وسكينة، وينجح أشرار العالم، الذين اتحدوا، في اقتحام المتحف، واعتقال الرموز التاريخية تمهيداً للتخلص منها، وإبادتها، بينما يشهد الواقع المعاصر اختفاء الهرم الأكبر وأسدي قصر النيل. وكالعادة لا يتردد المسؤول الأمني (سمير غانم) في تزييف الحقائق، ويُعلن أن الوضع تحت السيطرة!عانى سيناريو فيلم {الحرب العالمية الثالثة} من مشاكل في السرد كانت سبباً في التكرار والملل اللذين شابا الأحداث، ووجود مشاهد وشخصيات لا ضرورة لها، مثل مشاهد ميكي ماوس، (مونتاج وائل فرج). كذلك غابت على المخرج فرصة المزج بين مشاهد المتحف، وتفاصيل الواقع، لدرجة أننا نسينا تماماً ما يجري على أرض الواقع في الحارة، ومصير عم {منصور} والد {خالد}، في غمرة انغماس السيناريو في تقديم مشاهد المتحف، واللهاث وراء الشخصيات التاريخية حتى لو كانت هزيلة وفقيرة، تفتقد إلى التماسك والقوة.في المقابل، نجح المخرج أحمد الجندي في اختيار طاقم تمثيل قريب الصلة بالرموز التاريخية، من حيث الشكل، واجتهد ليضفي واقعية على المشاهد، عبر توظيف فن {الغرافيك}، وكاميرا مروان صابر التي اتسمت بالسلاسة وحرية الحركة على رغم مساحة المتحف المحدودة، وموسيقى عمرو إسماعيل التي تباينت حسب الموقف الدرامي، ووضح الجهد المبذول من الستايلست ملك ذو الفقار في الحفاظ على هيبة الشخصيات التاريخية، كذلك مهندس الديكور علي حسام علي الذي أضفت لمسته الكثير من المصداقية على المكان، وجاءت توليفة أحمد وكريم السبكي مناسبة لأجواء الفيلم، باستثناء الجزء الخاص بالمطربة بوسي. ولهذه الأسباب كلها حقق فيلم {الحرب العالمية الثالثة} نجاحاً غير متوقع!