الليبرالية كتهديد للأمن الخليجي

نشر في 05-05-2014
آخر تحديث 05-05-2014 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري نظم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات) مؤتمره الثاني للأمن الوطني والأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون "رؤية من الداخل: تحديات الحاضر واستراتيجيات المستقبل"، بمملكة البحرين 23 و24 أبريل بمشاركة نخبة من المسؤوليين والأكاديميين والمفكرين الخليجيين، بهدف تسليط الأضواء على التحديات التي تواجهها دول المجلس والوصول إلى رؤية مستقبلية، في ظل المستجدات الإقليمية والعالمية التي تلقي بتأثيراتها في الأمن الخليجي.

 مركز البحرين (دراسات) مركز بحثي نشيط، منشغل بهموم الخليج وبخاصة "الهم الأمني المشترك"، يسعى عن طريق المؤتمرات والندوات وغيرهما إلى رفع وعي الخليجيين، ساسة ومثقفين ورأيا عاما، لتبني "مفهوم استراتيجي" شامل للأمن الخليجي يعتمد على الخليجيين أنفسهم، عبر تطوير سياسات للدفاع المشترك تملك القدرة على الردع، انطلاقاً من أن الأمن الوطني لم يعد شأناً داخياً لأن مهدداته عابرة للحدود.

 ويأتي هذا المؤتمر بعد مرور عامين على المؤتمر الأول حول الأمن الخليجي: الوطني والإقليمي، الذي عقد في فبراير 2012، وكان له أصداء واسعة، الدكتور محمد عبدالغفار، رئيس مجلس أمناء المركز، لخص أهم التحديات في كلمته الافتتاحية في 3 قضايا:

الأولى: أن "التحولات الكبرى" التي تشهدها المنطقة، تؤثر في "التحالفات الكبرى" لدول المجلس مع حلفائها التاريخيين، والسؤال هنا: كيف ستتعامل دول المجلس مع تحالفاتها العميقة التي تضغط من أجل التغيير والتحديث في مجتمعات لم تتطور كما ينبغي في بنيتها الاجتماعية؟

الثانية: أنه في زمن تغير "التحالفات" فإن دول المجلس مطالبة بصياغة "مفهوم استراتيجي" جديد وشامل للأمن المشترك كما تفعل دول الأطلسي كل 10 سنوات، لأن الاستراتيجية الأمنية والدفاعية للخليج ما زالت معتمدة على استراتيجيات الدول الحليفة، وذلك بالرغم من أن دول المجلس قطعت شوطاً في ترسيخ التعاون العسكري والأمني فيما بينها، لكنها لم تتمكن حتى الآن من الاتفاق على المفهوم الاستراتيجي لتحقيق مفهوم القوة الموازنة والرادعة ضمن التفاعلات الإقليمية والدولية، وذلك لافتقاد إرادة سياسية عليا".

الثالثة: إن دول المجلس كتنظيم إقليمي، متجانس في نظمه، متلاحم في مجتمعاته، ليس أمامها خيار سوى التعاضد، إذ لم يعد الانفصال أو الانسحاب ممكناً، لما يترتب عليه من خسائر استراتيجية، وأما على صعيد تحصين الجبهة الداخلية، فهناك تحديات عديدة منها: الشباب ودورهم في العملية السياسية، دور المرأة السياسي والاقتصادي والاجتماعي، البطالة، الأمن الغذائي، الأمن المائي (يبلغ استهلاك الخليجي أعلى المعدلات عالمياً، والمخزون المائي الاحتياطي خليجياً لن يكفي إلا لمدة 3 أيام)، بطء مسيرة التكامل الاقتصادي، الحرب الإلكترونية وبخاصة في القطاع النفطي، العمالة الوافدة... كل هذه التحديات تفرض على دول المجلس "الحوار مع الذات" الذي يجب أن يبدأ بدراسة المعوقات التي تمنعنا من التقدم بهذا التنظيم الإقليمي إلى ما يزيد من لحمته وقوته السياسية والاقتصادية والعسكرية وتحليلها، وذلك لا يكون إلا بالمكاشفة والمصارحة لتبديد الهواجس المختزنة التي تمنعنا من التقدم لتحقيق إنجازات أكثر عمقاً واتساعاً وتكاملاً.

الأمير تركي الفيصل، ركز في كلمته على أن الاعتماد على "القوة الصلبة" في الأمن الوطني، ليس ضمانة كافية، إذا ما كان داخلها هشاً، معتبراً أن "الشرط الأول للحفاظ على أمن الخليج ومجتمعاته، هو زيادة تحصين هذه الدول من الداخل بسياسات تحافظ على علاقات سوية بين القيادات والشعوب"، محذراً من بروز "النزاعات المسيسة" الدينية والطائفية والقبلية، كأكبر تحد تواجهه دول المجلس ويهدد أمنها الوطني، ومنوهاً بدعم خادم الحرمين الشريفين لتحقيق "وحدة دول المجلس كهدف استراتيجي يضمن الأمن الوطني والإقليمي ويساعد على تحقيق التوازن مع إيران".

 الشيخ محمد صباح السالم الصباح، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي السابق، أكد أنه آن الأوان للانتقال إلى "تحالف كونفدرالي"، مشيرا إلى أن أي خلافات خليجية في ظل وجود ملفات خطرة مثل الخلل الكبير بالتركيبة السكانية، يمثل تهديداً "وجودياً" لدول المجلس.

 وزير المياه والكهرباء السعودي، عبدالله الحصين، دق ناقوس خطر "الأمن المائي الخليجي" باعتباره من أكبر التحديات الخليجية، موضحاً أن انخفاض تعرفة المياه، سبب الإفراط في الاستهلاك، وعبدالله بشارة، رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية بالكويت، دعا الدول الخليجية للتعاون الجماعي لوقف تدفق الإمدادات البشرية المتطوعة لبؤر التوتر وإغلاق منابعها المالية، ومكافحة الإرهاب بتعزيز مفاهيم المواطنة.

 الأمين العام المساعد للشؤون الأمنية لدول المجلس، هزاع الهاجري، ألقى كلمة بالإنابة عن الأمين العام للمجلس، أكد فيها قدرة دول الخليج على الحفاظ على تماسكها وفرض الحلول الناجمة عن الأزمات، ود.محمد الرميحي، بدد أوهاماً عديدة تحيط بتفسير ظاهرة الربيع العربي، موضحاً أن دول الخليج اتخذت سياسات تنموية سريعة لاحتواء تداعياتها، وفي لفته ذكية، لقيت استحساناً كبيراً، قال: إن النخب الخليجية المثقفة الواعية، لم تنجر إلى الخلاف الخليجي.

 وقال رئيس الأمن الوطني الكويتي الشيخ ناصر العلي الصباح، إن الخلاف الخليجي أزمة عارضة، وأكد الأمير نايف بن أحمد بن عبدالعزيز آل سعود ضرورة إقامة جيش خليجي موحد، وخلص المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج، ظافر العجمي، إلى أن الوحدة الخليجية هي رهان المستقبل، وأما د. أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، فقد أكد أن القوة العسكرية وحدها، لن تحقق الأمن، بل العدالة الاجتماعية، مفضلاً "الاتحاد الفدرالي" صيغة ملائمة لدول الخليج.

 أخيراً: كانت مفاجأة المؤتمر، الورقة الساخنة التي أثارت جدلاً حيوياً، للدكتور محمد بن هويدن، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الإمارات، عن المهددات الرئيسية لأمن الخليج، ولخصها في 3 مصادر: الفكر الليبرالي، الفكر السياسي الإسلامي، الفكر الطائفي، باعتبارها أفكاراً ذات مضامين سياسية تناهض "الفكر السياسي المحافظ" للخليج وهوالفكر الحاكم للأنظمة الخليجية، وباعتبار أن أصحاب هذه الأفكار يحملون أجندات تهدف إلى تغيير "النظام السياسي الخليجي المحافظ" أو زعزعته، ويسعون إلى التأثير في القيم الرئيسة التي تعتمد عليها دول الخليج، وهي "القيم المحافظة" التي استطاعت أن تحقق لدول الخليج الأمن والاستقرار والازدهار، وتساءل في معرض رده على المنتقدين: إذا كان نظام الخليج قد نجح وحقق ما ننعم به اليوم، فلماذا نسعى إلى تغيير ما هو ناجح؟! ولماذا نستبدل به ما لم يحقق نجاحاً حتى في أوطانه، بل شقي به أهله؟!

* كاتب قطري

back to top