قال مفتي القدس وخطيب المسجد الأقصى، الدكتور محمد حسين، إن القدس تمر بآخر مراحل تهويدها في ظل صمت عربي وإسلامي مريب، مشيراً في حواره مع "الجريدة" إلى أن تجاهل العرب والمسلمين لقضايا القدس خلق لدينا جيلاً لا يعرف مكانة القدس في الشريعة الإسلامية، بل إن هناك من لا يعرف مكان القدس جغرافياً، وهي مأساة بكل المقاييس، وتفاصيل الحوار في السطور التالية.

Ad

• بداية كيف حال القدس؟

- بكل أسف، القدس ليست بخير، حيث تتعرض لمخطط صهيوني شرس يسعى إلى تغيير المعالم التاريخية والحضارية للمدينة، وللأسف أيضاً الكل يعلم بشكل أو بآخر مدى التوسع الاستيطاني المسعور في أحيائها العربية، ومنع المصلين المسلمين والمسيحيين من الذهاب إلى أماكن عبادتهم، والاعتداء عليهم، والسماح للمستوطنين اليهود، في الوقت ذاته، بالصلاة داخل أسوار الأقصى وفي ساحاته وباحاته، وبناء الجدار العنصري لعزل المدينة عن محيطها الفلسطيني، وإقامة المتاحف والمعارض والكنس والأسواق تحت المسجد الأقصى المبارك للتأثير في أساساته، وإقامة ما يعرف بالحدائق التوراتية على أنقاض المقابر الإسلامية، وهدم بيوت المقدسيين ومصادرة أراضيهم، كل هذا يعرفه الجميع، ورغم ذلك فالعرب والمسلمون مازالوا يكتفون بالفرجة.

• في ظل الاعتداءات المتكررة على القدس من قبل الصهاينة، ما واجب المسلمين تجاه ذلك؟

- الواجب كبير، والعمل كثير، والحديث في هذا الأمر يطول، أهم نقطة من النقاط الواجبة على المسلمين عملها أن يعرفوا حقيقة قضية القدس، وأن يعملوا على جعلها حقيقة وواقعاً في حياتنا، والانتقال مباشرة من رد الفعل إلى الفعل، وصناعة الفعل نفسه، وجعل القدس حاضرة في حياتنا اليومية في الصلاة، ومع أطفالنا وفي المناسبات الدينية مثل رمضان والعيدين، عبر تثبيت القضية في أذهان أبنائنا وتعريفهم بحقيقتها وموقع المسجد الأقصى، لأن نصف الأمة لا يعرف موقعها، ولابد أن أشير هنا أن العرب لم يقدموا الدعم المطلوب، نعم هناك جهد ونحن نشكر كل من يساعدنا ويعمل على تقوية صمودنا، ولكن نرجو أن يرتفع الدعم في كل المستويات المعنوية والمادية السياسية والاجتماعية إلى المستوى المطلوب، حتى نستطيع مواجهة التحديات الخطيرة التي نعجز عن مواجهتها دون دعم المواطن العربي ودون دعم المسؤول العربي، خصوصا في ظل تعنت إسرائيل وتزايد حدة إجراءاتها التي تسعى من خلالها إلى تهويد كل التراب الفلسطيني.

• هل ترى أن العرب يستطيعون فعلاً مواجهة الأطماع الإسرائيلية في فلسطين والقدس؟

- نعم العرب يملكون كل إمكانات المعركة السياسية والعسكرية، فنحن لدينا إمكانات بشرية ضخمة، كما نمتلك الموقع الجغرافي المتميز، وكذلك تمتلك كل الدول العربية علاقات سياسية رفيعة مع كل دول العالم، ونحن نعرف أن العلاقات بين الدول اليوم تقوم على المصالح، ودول أوروبا وأميركا لديها اليوم مصالح عديدة مع الدول العربية، ولهذا فقد آن الآوان أن يستغل العرب حاجة الغرب لهم ويسخرون علاقاتهم لخدمة القضية الفلسطينية، ولو تم ذلك فإن العرب يستطيعون إنجاز نجاحات كبيرة تصب في مصلحة إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف.

• كيف ترى مستقبل الصراع العربي- الإسرائيلي حول المسجد الأقصي؟

- أقولها بصراحة إن مستقبل الصراع مخيف، لأن المؤسسات الإسرائيلية تخطط ليكون عام 2020 عام يهودية المدينة المقدسة، وذلك بأن تكون الأغلبية العظمى من السكان من اليهود، بينما يكون السكان العرب في المدينة المقدسة أقلية لا تذكر من حيث العدد، كما أن المخططات الإسرائيلية تسعى إلى ضم الكتل الاستيطانية المحيطة بالقدس إلى المدينة، وخفض الوجود الفلسطيني بها، وهذا ما أكدته وسائل الإعلام الصهيونية، فهناك تصاعد خطير وحاد في الهجمة الإسرائيلية على مدينة القدس، فقد تم رصد مليارات الدولارات لتنفيذ هذه المخططات التي تهدف إلى إحداث تغيير ديموغرافي في المدينة المقدسة، من خلال تقليص عدد الفلسطينيين في المدينة المقدسة بتهجير أهلها ومصادرة أراضيها وهدم منازلها، حيث تفرض سلطات الاحتلال قيوداً مشددة على الفلسطينيين الراغبين في البناء في المدينة المقدسة، وكذلك عبر هدم مئات البيوت الفلسطينية، مما ينتج عنه طرد آلاف المواطنين من منازلهم، ومن هذا المنطلق فلابد أن يعمل العرب والمسلمون على تبني حملة لتثبيت المقدسيين والمرابطين حول الأقصى، والعرب لديهم الإمكانات المادية المؤهلة لذلك، والأمة العربية لديها من الإمكانات والطاقات الكثير من أجل أن تدافع عن القدس، ويمكنها أن تستخدم مثل هذه الطاقات، لأن المجتمع الدولي له مصالح مع أمتنا العربية والإسلامية، وبإمكان الجميع استخدام هذه المصالح من أجل الضغط على "إسرائيل" لوقف تهويد القدس والأرض الفلسطينية.

• هناك اتهامات توجه دوماً إلى الشعب الفلسطيني بأنه توقف عن المقاومة وتفرغ للعمل السياسي، الأمر الذي أدى إلى تهميش القضية الفلسطينية بهذا الشكل؟

- بالعكس الشعب الفلسطيني لم يتوقف أبداً عن المقاومة، وأنا أعتبر أن صبر الفلسطينيين على إجراءات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العنصرية هو في حد ذاته نوع من أنواع المقاومة، والواقع يؤكد أن المقاومة الفلسطينية اليوم تأخذ أشكالا كثيرة، ولا يشترط أن تنحصر المقاومة دائماً في رفع السلاح ضد المحتل، فهناك أساليب جديدة لها مثل العصيان المدني، والإضرابات والاعتصامات والمقاومة الشعبية، وهي كلها مقاومة فاعلة ومشروعة، وتأخذ تأثيراً ربما أكثر من تأثير السلاح، وأنا أعود وأكرر أن صبر الفلسطينيين على ممارسات العدوان الصهيوني هو في حد ذاته نوع من المقاومة.

• هل مازلتم تسيطرون على المسجد الأقصى رغم المحاولات الإسرائيلية لتضيق الخناق عليكم؟

- الأصل أن دائرة الأوقاف في القدس هي التي تدير شؤون المسجد الأقصى المبارك، ولكن الشرطة الإسرائيلية تحاول أن تسلب صلاحيات الأوقاف من خلال الأحداث التي تحصل في هذه المدينة، فرجال الشرطة الإسرائيلية موجودون على مدار 24 ساعة على الأبواب الخارجية للمسجد الأقصى، وهم يتعرضون بالمضايقة والتنكيل للمواطنين الفلسطينيين، ونحن في حاجة للدعم العربي والإسلامي في هذا الاتجاه، والقدس في حاجة لنصف مليار دولار سنوياً من أجل ترسيخ عروبتها وإسلاميتها من خلال ترميم كل ما هو إسلامي هناك، ودعم السكان المقدسيين حتى يظلوا متمسكين بالأرض مهما كان حجم الضغوط الصهيونية عليهم، فالدعم المادي والدعم الإعلامي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو المطلوب أيضاً من الأمة العربية والإسلامية، فالدعم كله يعد مؤقتاً، لأن الدعم الحقيقي هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

• بصراحة شديدة هل تتوقع أن يأتي يوم تحل فيه القضية الفلسطينية؟

- نعم سيأتي ذلك اليوم، ونحن مستمرون في الصمود حتى نحصل على كل حقوقنا، وقضيتنا عادلة ولن تضيع مهما حدث، فقط على العرب دعمنا، وسيرى الجميع أننا لن نترك حقوقنا مهما حدث.