تحدثت في المقال السابق عن عسكرة العقول ومظاهرها، واليوم لماذا نرفض عسكرة العقول؟ رغم أن هناك الكثير جداً من الأسباب التي تدعونا إلى الرفض سأكتفي بشهادة العسكريين أنفسهم من خلال جزء من الحوار الذي دار في أكتوبر 2012 في إدارة الشؤون المعنوية بين العقيد عمر و(الفريق أمس المشير اليوم الرئيس غداً) السيسي وهو فيديو شهير شاهده الملايين، ولمن يريد مشاهدته خلال اليوتيوب يمكنه ذلك تحت عنوان "خطة سيطرة الجيش على الإعلام".

Ad

باختصار يدور الحوار حول ضرورة وجود مسافة وخطوط فاصلة حمراء تحمي الجيش من النقد الإعلامي، وكذلك حمايتهم من البرلمان القادم (كان هذا قبل عزل مرسي) والاستجوابات المحتملة (ربما يفسر ذلك سبباً جديداً للانقلاب)، وكذلك ضرورة وجود أذرع (زرع عملاء بلغة المخابرات) داخل الإعلام لضمان سيطرة الجيش على الإعلام (متوقع أن يتم المثل في جميع أجهزة الدولة كالرئاسة والوزارات المختلفaة وأجهزة الحكم المحلي والمحافظات).

من خلال ما دار في الندوة وفي نقاط محددة نجد أن نظرة القادة العسكريين للقوات المسلحة وعلاقتها بالشعب تدور حول:

* العسكرية المصرية فوق مستوى النقد ويجب وضع خطوط حمراء تمنع الحديث عنها.

* المهم الصورة التي تصل إلى المواطنين عن القوات المسلحة، ويجب أن تكون نقية بلا عيب.

* ضرورة وجود عملاء تابعين للقوات المسلحة في جميع أجهزة الدولة.

* سلطة البرلمان الرقابية يجب ألا تشمل القوات المسلحة. (بعيداً عن الصفقات العسكرية).

لو تجاوزنا عملية زرع العملاء بنص كلام المشير التي لا تتم إلا مع الأعداء (هل الشعب عدو للقوات المسلحة؟) وبعيداً عن العمولات العسكرية التي يخشى العسكر كشفها مع رقابة مجلس الشعب، وبعيداً عن الصورة التي تحرص عليها (أحمد علي جاذب للستات بنص كلام المشير)... بعيداً عن كل ذلك نسأل: هل مثل هذه العقلية تؤمن بالديمقراطية؟ أو تعرف معناها؟ أو تستطيع التعايش معها والالتزام بها؟ وهل من يرون أنفسهم الأكثر وطنية والأكثر شرفا والأكثر حبا لمصر ويجب ألا يحاسبهم أو يراقبهم أو ينتقدهم أحد؟ وهل يمكن لهم أن يقودوا مصر إلى بر الأمان وإلى المستقبل المنشود الذي تحلم به الملايين وقامت من أجله ثورة يناير؟

ومن الضروري توضيح أن الإمبراطورية الاقتصادية للجيش التي يتفضل بها على الشعب ليل نهار، معلناً أن الجيش تبرع بكذا وكذا للشعب المصري، وكأن الجيش دولة قائمة بذاتها تقدم المساعدات والحسنات والمنح للشعب المصري الفقير!! هذه الإمبراطورية الاقتصادية هي حق الشعب ومن أمواله وليست منه ولا فضلا من أحد ولا إرثا خاصاً ورثه قادة القوات المسلحة من أجدادهم الباشوات، فالأراضي التي أقيمت عليها المصانع والطاقة التي تستخدمها والعاملون فيها... كل هذا أخذته القوات المسلحة من الشعب لتدافع عن الوطن، وتحمي أرضه وسماءه لا لتصنع الخبز والمعكرونة، وتبني الفنادق والمسارح وتربي الأغنام.

وختاما؛ أسئلة إلى قادة القوات المسلحة: لماذا الإصرار على التربية العسكرية الخاطئة لضباطكم وجنودكم (أنت الأكثر وطنية وشرفا وحبا للبلد... إلخ)؟ ولماذا الإصرار على ممارسة السياسة؟ ولماذا الإصرار على انفصال إمبراطوريتكم الاقتصادية عن الدولة المصرية؟ ولماذا لا تكتفون بدوركم المهني والفني (الدفاع عن الوطن) وهو أشرف دور يمكن أن يقوم به إنسان ويتفاخر به؟ لماذا يا سادة؟ وهل يمكن أن يجيب أحد؟ حملة المباخر وراقصو الإعلام يمتنعون.

 وإلى مقال آخر إن كان للحرية متسع.