مؤامرة!

نشر في 07-05-2014
آخر تحديث 07-05-2014 | 00:01
 د. بدر الديحاني مطالب الشعب الكويتي في الإصلاح السياسي والديمقراطي المستحق ليست وليدة اللحظة، فهي مطالب مستمرة منذ بداية القرن المنقضي، لكنها تصاعدت في الأعوام الأخيرة نتيجة للتراجع التنموي والديمقراطي وانتشار الفساد لا سيما الفساد السياسي. وقد زاد الطين بلّة انفراد الحكومة بتغيير النظام الانتخابي من أجل تفصيل مجلس على مقاسها توجهه كيفما تشاء كما نرى هذه الأيام.

سوء الوضع العام والحاجة الماسة إلى الإصلاح لا ينكرهما إلا المستفيد من استمرار التراجع أو المنفصل عن الواقع، فالتذمر الشعبي من تردي الخدمات العامة والشكوى الدائمة من الظلم الاجتماعي والتهميش السياسي والتمييز الوظيفي والحديث المتواتر عن الفساد السياسي الذي لم يعد همساً في غرف مغلقة كما هي الحال في السابق، كلها مؤشرات تدل على سوء الوضع العام.    

ومن الطبيعي أن تدافع جماعات الفساد عن الوضع السيئ لأن بقاءها مرتبط باستمراره، لكنها لا تملك الحجج القوية والمقنعة فتلجأ إلى ترويج الاتهامات السخيفة والأكاذيب التافهة، وهو دليل إفلاس سياسي وأخلاقي قد يدفع الوطن في المستقبل القريب ثمنه غالياً، فتارة يدّعون بعنصرية مُقيتة أن هناك "غزواً داخلياً"، وتارة أخرى يدّعون أن هناك "أجندة خارجية" أو "مؤامرة" ضد نظام الحكم، من دون أن يحددوا ما هو شكل المؤامرة، ومن هم المتآمرون، مع العلم أن معرفة طرف ما بمؤامرة تحاك ضد نظام الحكم وعدم الإبلاغ عنها يعتبر اشتراكاً في هذه المؤامرة.

ليس أسهل من ترويج الاتهامات الكاذبة التي قد تجد من يصدقها لفترة زمنية محدودة ولكن نتائجها المستقبلية على الوطن ستكون كارثية، وهو ما رأيناه أثناء ثورات "الربيع العربي" التي تمر الآن بمرحلة انتقالية صعبة ومعقّدة ومخاض عسير من المحتمل جداً أن ينتج عنها موجات ثورية جديدة.

لقد مرت الكويت خلال تاريخها الحديث بمنعطفات سياسية حادة رُوّجت خلالها إشاعات واتهامات "المؤامرة لقلب نظام الحكم" لاسيما في ثلاثينيات القرن الماضي، وقبيل الاحتلال العراقي البغيض أثناء المطالبة بعودة الحياة الدستورية (دواوين الاثنين)، لكن الأحداث التاريخية أثبتت زيفها وعدم صحتها وخطورتها على تماسك الوضع الداخلي، فالشعب الكويتي الوفي لم يطالب قط بتغيير نظام الحكم أو يتآمر عليه، كما يروج الفاسدون والمستفيدون من الوضع السيئ كلما تأثرت مصالحهم الضيقة، بل دافع في أحلك الظروف ولا يزال يدافع عن الشرعية الدستورية، أما المطالب الشعبية المستحقة فتتمحور حول الإصلاح السياسي وتطوير نظام الحكم الديمقراطي ونيل الحقوق الدستورية باعتبارها ركائز أساسية في تدعيم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

أخيراً وليس آخراً، فإن من يطالب باستمرار الأوضاع الحالية السيئة هو الذي لا يهمه استقرار نظام الحكم، بل يبحث عن مصلحته الذاتية فقط، فاستمرار الوضع السيئ سيجعل الصراع، كما ذكرنا في مقالات سابقة، بين السلطة والشعب وسيُقلّص من القاعدة الشعبية للسلطة ويجعلها في عزلة سياسية ليست في مصلحة الاستقرار السياسي والتطور الديمقراطي.

وعلى العكس من ذلك، فإن مطالبة السلطة بالاعتراف بأخطائها ثم المبادرة بتقديم مشروع إصلاح سياسي وديمقراطي ملتزم بالدستور لاستكمال بناء دولة مدنيّة عصرية هو دليل حرص على استقرار نظامنا الديمقراطي وتطوره، إذ إن استشراء الفساد السياسي وتنامي الغضب الشعبي وعدم الاستجابة للمطالب الشعبية المستحقة ستكون لها تداعيات سياسية سلبية.

back to top