النظرة الإيجابية عادة يمكن للشخص السلبي أو المتشائم دائما أن يكتسبها، لكنه في ذات الوقت أمر لا يمكن الحصول عليه ما لم تتوافر الرغبة الحقيقية لدى الإنسان لتغيير نفسه وتطويرها. تقول الحكمة الشهيرة، يمكنك أن تأخذ الحصان إلى النهر، ولكنك لا تستطيع أن تجبره على أن يشرب.

Ad

لكن الغريب أن البعض يصر على اعتبار تشاؤمه ونظرته السلبية والمتشككة دائما تجاه الأحداث والأشياء والناس من حوله جزءاً لا يتجزأ من مقومات الحصافة والذكاء والجدية، وهذا غير صحيح أبدا، لكن في المقابل، من المستحيل التخلص من التشاؤم ومختلف الأفكار السلبية بمجرد قراءة مقال أو حتى كتاب أو حضور محاضرة أو الدخول في دورة تدريبية، بل يحتاج الأمر تدريبا وتطبيقا لفترة معقولة من الزمن. بضعة أيام ربما لن تكفي، لكن بضعة أسابيع من الممارسة الدؤوبة سيكون لها مفعول واضح لملاحظة النتائج والتغيرات الإيجابية.

في هذا الصدد سأقترح تمرينا تطبيقيا يمكن ممارسته لعدة مرات، وذلك في وحدات مكررة بحسب الحاجة، ومقدار كل واحدة منها ثلاثة أسابيع.

يبدأ التمرين كالتالي، أولا، ضع في جيبك دفترا صغيرا وقلماً طوال الوقت.

ثانيا، قم في الأسبوع الأول بتدوين أي فكرة سلبية تعترض تفكيرك في أي وقت من نهار أو ليل، مع تاريخ ورودها ووقته في ذهنك. اكتب مثلا "مع مثل هذه الزحمة سأتأخر حتما عن موعدي الهام"، وقد تلاحظ أنه في الأيام الأخيرة من هذا الأسبوع أنك ستكتب أفكارا سلبية أكثر من أيامه الأولى، ليس لأنك أصبحت سلبيا أكثر كما قد تعتقد، ولكن لأن وعيك واعتيادك على كتابة هذه الأفكار مع مرور أيام الأسبوع الأول قد جعلك أقل عرضة لنسيان بعضها.

ثالثا، قم في الأسبوع الثاني بتدوين الأفكار الإيجابية فقط كلما جاءت إلى ذهنك مع تاريخ ورودها ووقته أيضا. اكتب مثلا "الجو جميل، سيسمح لي بالقيام بنزهة مع أسرتي"، "أنا في صحة جيدة ولله الحمد، سأخرج للمشي".

رابعا، اجلس في الأسبوع الثالث برفقة دفترك الصغير وما فيه من ملاحظات سلبية وإيجابية، راجع الإيجابية أولاً، ثم قم بعدّ أفكارك السلبية ومن ثم الإيجابية، ولعلك ستجد أن الأولى أكثر من الثانية.

خامسا، قم بأخذ كل فكرة سلبية على حدة، واعمل على تحويلها لفكرة إيجابية، مثلا: "مع هذه الزحمة سيمكنني أن أحضر وأرتب أفكاري بشكل أفضل لطرحها أثناء موعدي الهام، أو "مع هذه الزحمة سيمكنني الاستماع لتلك المادة الصوتية التي كنت أبحث عن الوقت للاستماع إليها كاملة"، "مع هذا الجو المغبر، لدي فرصة للبقاء مع أسرتي في المنزل وقضاء وقت طيب".

سادسا، ثابر على هذا التمرين بصدق وحماس وكرره لعدة مرات، وكن صريحا وصادقا مع نفسك، وإذا واظبت فعلا على كتابة كل أفكارك السلبية والإيجابية، فأنا متأكد أن الفارق بينهما سيتقلص مع مرور الأيام، بل ستندهش حينما تبدأ بملاحظة أن الأفكار الإيجابية أخذت تتفوق في الورود إلى ذهنك على الأفكار السلبية.

من يرغب صادقا في إصلاح نفسه فليستمر في ممارسة هذا التمرين حتى يظفر بثمراته، وسيقضي بعون الله على تشاؤمه الدائم وعلى تلك المخاوف والشكوك والأفكار السلبية التي تنقص من رغبته في الإقدام على الحياة والعمل وتعترض نجاحه. لا أقول بأنه سيخسر حصافته وذكاءه وحذره من مصادر الخطر المحيطة به في الحياة، ولكنه سيصبح قادرا على وضع هذه المصادر في حجمها الطبيعي الصحيح، ومن ثم سيتمكن من التعامل معها بشكل سليم.