أولاً: ملامح الوضع الراهن للعمالة وسوق العمل

Ad

ما من شك أن الكويت حققت منذ استقلالها معدلات نمو سريعة، كان من أهم نتائجها تكوين بنية أساسية متطورة ومستويات دخل فردي عالية، ويعود هذا بالأساس إلى توسع الاقتصاد الكويتي عبر استثمار العوائد النفطية الناجمة عن ارتفاع سعر النفط في بداية السبعينيات من القرن الماضي، ولعل من اهم خصائص النمط التنموي المتبع خلال تلك الفترة الالتزام بمفهوم دولة الرفاه، وبتوفير فرص العمل للمواطنين فاتسمت سياسات سوق العمل في الدولة منذ السنوات الاولى بالتركيز على توظيف العمالة الوطنية بالقطاع الحكومي، دون أن يكون الهدف الرئيسي من سياسة التوظيف هو توزيع العمالة المتوافرة بين الاستخدامات المختلفة لتحقيق الاستغلال الامثل للموارد في الاقتصاد الوطني ومن ورائه تعظيم الناتج المحلي الاجمالي بل كانت هذه السياسات تهدف بالأساس الى بناء آلية لتوزيع عائدات الثروة النفطية بين المواطنين دون الانتباه بشكل كبير الى اهمية تعظيم كفاءة استخدام قوة العمل الوطنية، لذلك تطلب الوضع زيادة اجور الموظفين في القطاع العام وتعظيم الحوافز والمنافع المرتبطة بالعمل في القطاع العام من ميزات وعلاوات وظروف عمل ميسرة وعدم اعتماد الاداء الانتاجي كمقياس للترقيات، وغيرها فكان من الطبيعي ان يؤدي ذلك الى تضخيم كبير في القطاع العام نظرا لحتمية تزايد دور الدولة في النشاط الاقتصادي في ظل متطلبات هذا النمط التنموي.

في المقابل، ترتب على ذلك نشأة فجوة كمية ونوعية تزايدت حدتها عبر العقود بشكل مستمر بين مخرجات مؤسسات التعليم والتدريب من جانب، وبين المتطلبات الفعلية من مختلف التخصصات والمهارات في القطاعات الاقتصادية غير الحكومية حيث ان اتباع الدولة لسياسة الضمان الوظيفي للمواطن ترتب عليه تكريس متزايد لممارسة الاتكال على الحكومة في محال التشغيل، حيث اصبح المواطن الكويتي متمسكا بأحقيته في الوظيفة الحكومية بغض النظر عن مؤهلاته وقدراته العلمية والعملية ومهاراته ومدى ملاءمتها لمتطلبات العمليات الانتاجية التي تختلف باختلاف القطاعات، فوجد القطاع الخاص نفسه في وضع لا يسمح له باجتذاب العمالة الوطنية، وهو من العوامل التي اسهمت في ضعف مساهمته في توليد الناتج المحلي الاجمالي وتكريس هيمنة الدولة على النشاط في الاقتصاد المحلي، فكان من الطبيعي في ظل هذا النمط التنموي ان يستمر تواضع نسب مشاركة القطاع الخاص والاعتماد على جلب العمالة الاجنبية لاستعمالها كعنصر الانتاج هذا مع العلم ان القطاع كان يواجه حالة عرض عالية المرونة في سوق العمل الاجنبي، على الاقل في ما يتعلق بالعمالة الاقل جودة من خلال الاجور المنخفضة لهذه الفئات إذ كان من الطبيعي ان تتزايد تدفقات العمالة الاجنبية في الكويت خاصة عندما يتعلق الامر بالفئات الاقل مهارة، وذلك من عدد كبير من البلدان يناهز مئة وعشرين دولة في الوضع الراهن.

واسهم في غزارة هذه التدفقات غياب سياسة استراتيجية تنظيمية واضحة المعالم للعمالة وسوق العمل مما سمح بظهور العديد من الممارسات من قبل بعض الشرائح في المجتمع الكويتي، وذلك من خلال نظام الكفيل وهو من العوامل التي أسهمت في حدة هذه التدفقات ونتج عن ذلك واقع يتصف بتزايد الاعتماد على العمالة الوافدة في القطاعات غير الحكومية على الرغم من وجود رغبة نظرية من قبل مختلف مكونات المجتمع لتقليص الاعتماد على هذه العمالة، على الاقل في فئاتها الاقل تعليما ومهارة، وذلك لاعتبارات اقتصادية وثقافية واجتماعية، وبسبب الاختلال في التركيبة السكانية الناتج عن ذلك، حيث ان نسبة الكويتيين الى اجمالي السكان لا تتعدى في الوضع الراهن الثلث.

وينعكس هذا الاختلال في تركيبة قوة العمل حيث يتضح ان قوة العمل الكويتية ظلت تشكل اقل من 20 في المئة من اجمالي قوة العمل خلال العقد الاخير، وتم ذلك في ظل تزايد قوة العمل الكويتية من اكثر من 233 الف فرد سنة 2000 الى حوالي 359 الفا في 2010 اي بزيادة تفوق 50 في المئة خلال عشر سنوات مقابل ذلك شهدت قوة العمل الوافدة خلال نفس الفترة ارتفاعا بنسبة تقترب من 90 في المئة، من 963048 فردا سنة 2000 إلى 1808110 أفراد سنة 2010 وتجدر الاشارة الى هيمنة عمالة الخدمات والتشييد والبناء حيث تستحوذ على 65 في المئة من حجم هذه العمالة الاجنبية.

المعلومات المدنية

بالاضافة الى هيمنة العمالة الوافدة في قوة العمل المحلية تؤشر احدث البيانات المتوافرة من الهيئة العامة للمعلومات المدنية والملخصة الى تضخم نسبة الذين لا يمتلكون مؤهلا دراسيا اعلى من الابتدائي في هذه الفئة حيث تصل نسبتهم الى حوالي 50 في المئة من اجمالي قوة العمل الوافدة، هذا من دون احتساب العمالة المنزلية، كما ان الذين يمتلكون مؤهلا دراسيا: الثانوية او الدبلوم فنسبتهم هي في حدود 44 في المئة ومن ثم فإن ذوي المؤهلات الجامعية او العليا يمثلون نسبة في حدود 6 في المئة فقط، وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى ان قوة العمل الكويتية ايضا تتصف بقدر مرتفع نسبيا من ذوي المؤهلات الدنيا حيث لا تزيد نسبة الذين لديهم مؤهل جامعي او عال على 22 في المئة من قوة العمل الكويتية.

كما سبق ذكره تتركز قوة العمل الكويتية في القطاع الحكومي حيث يعتبر هذا القطاع المشغل المفضل لدى العمالة الوطنية وتؤكد البيانات المتوافرة ان هذا القطاع ظل يستحوذ خلال السنوات الفارطة على اكثر من 85 في المئة تقريبا من اجمالي العمالة الكويتية، في حين يستوعب القطاع الخاص اكثر من 95 في المئة من العمالة الوافدة خلال نفس الفترة وبلغ عدد المواطنين العاملين في القطاع بنهاية عام 2010 حوالي 75 الف مواطن يشكلون حوالي 21 في المئة من اجمالي قوة العمل الكويتية، وتؤكد هذه البيانات عدم قدرة القطاع الخاص على منافسة القطاع الحكومي في توظيف العمالة الوطنية باعتباره غير قادر على توفير اوضاع تشغيلية مماثلة لما هو متوافر بالقطاع الحكومي فبالاضافة إلى الفوارق الواضحة في الاجور بين القطاعين، يوفر القطاع الحكومي اوضاعا تشغيلية اكثر جاذبية من مثيلتها بالقطاع الخاص، من اهمها ساعات عمل اقل وفترات اجازات اطول، واستقرار وظيفي اعلى بغض النظر عن مستوى الانتاجية والاداء.

تجزؤ السوق

وتؤكد كل هذه البيانات انه لا يمكن في هذا الاطار الحديث عن سوق العمل بمفهوم مؤسسة متجانسة الخصوصيات والمعايير كما هو الوضع في العديد من البلدان وخاصة المتقدمة منها، حيث ان الوضع يتصف بتجزؤ هذا السوق او بالاحرى بوجود ثنائية فيه فالواضح هو ان القطاع الحكومي والقطاع الخاص يمثلان اسواق عمل مختلفة نظرا للاختلافات الجوهرية بينهما، فيما يتعلق بالميزات المادية والمعنوية وبالقوانين التي تنظم كل منهما، الى جانب التباين الواضح في المتطلبات الحرفية والمهنية في كليهما.

 وتجدر الاشارة الى ان هذه التجزئة العميقة في سوق العمل الكويتي تعد مكلفة بالمفهوم الاقتصادي، حيث انها تتعارض مع الاستهداف المزدوج لتعظيم منافع تشغيل عنصر العمل من جانب وتقليص تكاليف استعمال هذا العنصر في العملية الانتاجية بالنسبة للقطاع الخاص الى حدها الأدنى الذي يحقق الكفاءة من جانب آخر، هذا بالاضافة إلى ان هذه التجزئة تقف حاجزا امام اي سياسة اصلاحية لسوق العمل تستهدف تحفيز العمالة الوطنية للعمل في القطاع الخاص.

بالاضافة الى خاصية تجزؤ سوق العمل الكويتي، توجد مجموعة اخرى من الملامح الاساسية لهذا السوق التي يترتب عليها بعض التحديات الاضافية لصانع القرار المعني بادارة الموارد البشرية في الدولة وبالمسار التنموي فيها ومن اهم هذه الملامح ما يلي:

- كثافة اعداد القادمين الجدد الى سوق العمل وذلك للاعتبارات الديموغرافية وطبيعة الهرم السكاني الحالي وهو ما سوف يُدعم في المستقبل القريب حيث يتبين من التركيب العمري للسكان في عام 2011 ان حوالي 48 في المئة من جملة السكان هم تحت 19 عاما.

ـ ازدياد مشاركة المرأة في سوق العمل حيث ان توفير الوظائف للمرأة وخاصة في القطاع العام يفرض بعض التحديات الاضافية نظرا لإمكانية تكرر الدخول والخروج من سوق العمل، وطول إجازات الامومة وصعوبة الالتزام بالتطوير المستمر من خلال البرامج التكوينية والتدريبية وخاصة التي تنفذ بالخارج والتقاعد المبكر.

ـ عدم التوافق بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل، حيث تتواصل في مؤسسات التعليم العالي، وخاصة جامعة الكويت الهيمنة النسبية للدراسات التي تميل باتجاه التخصصات الإنسانية والتربوية وفي ظل التزام الدولة بتوظيف الجميع فإن استيعاب الإعداد المتزايدة من خريجي هذه التخصصات يترتب عليه تفاقم ظاهرة ما يسمى بـ"البطالة المقنعة".

ـ ضعف انتاجية عنصر العمل خاصة في القطاع العام حيث يرتفع حجم القوى العاملة فيه وتزداد تكلفته باستمرار دون ان يترتب على ذلك زيادات مماثلة على مستوى القيمة المضافة ومعدلات تحصيل الناتج المحلي.

ثانيا: كفاءة سوق العمل

ـ البطالة كمقياس لكفاءة سوق العمل

لاشك ان كفاءة سوق العمل من أهم العوامل الضامنة لتوزيع قوة العمل على افضل سبل استخدامها بين مختلف مجالات النشاط الاقتصادي بما يساهم في تقوية نسوق النمو الاقتصادي ودعم التنمية البشرية. كما ان توافر عنصر الكفاءة في سوق العمل يساعد على دمج العمالة الوطنية بالقطاع الخاص هو من متطلبات الفترة القادمة من خلال نظرة اولية للبيانات المتعلقة بسوق العمل الكويتي، من غير المستغرب ان يتم الحكم بانه سوق يعمل بشكل جيد، حيث ان سمته هو انخفاض نسب البطالة مقارنة بالنسب العالمية الى جانب ارتفاع مستوى الاجور فيه، حيث تؤكد البيانات الواردة في الجدول.. ان نسبة البطالة بالكويت لا تتجاوز 2 في المئة تقريبا من اجمالي القوة العاملة خلال الاعوام الاخيرة وبالاقتصار على القوة العاملة الكويتية، وباستثناء عامي 2007 و2008 لم تتجاوز نسب البطالة حاجز 4 في المئة، وكلها تعد نسبا منخفضة مقارنة بالمعايير العالمية.

وحيث ان التوظيف في القطاع العام في الكويت لا يخضع بالضرورة الى معايير الجدوى من المنظور الانتاجي باعتبار استمرار الضغوطات على الحكومة لتنفيذ سياسة توفير فرص العمل للمواطنين، ومن ثم فإن هذا التوظيف غير المنتج من الناحية الاقتصادية هو ما يساهم في تكثيف ظاهرة البطالة المقنعة في القطاع العام.

من هذا المنطلق لابد من الانتباه الى ان الاعتماد على مؤشر معدلات البطالة كمقياس لمدى كفاءة سوق العمل ربما يكون مضللا نظرا لكونه لا يعكس بدقة اداء سوق العمل على الاقل، فيما يتعلق بقدرته على توفير فرص توظيف منتجة ومجزية للجميع لذلك ربما يكون من الاجدر تقييم مدى كفاءة سوق العمل الكويتي من خلال مجموعة اوسع من المؤشرات التي تسمح بإجراء تقييمات اكثر دقة في هذا السياق، فيما يلي يتم استعراض بعض من مؤشرات كفاية سوق العمل الكويتي استنادا الى نتائج تقرير التنافسية العالمي الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي بشكل سنوي من خلال تحليل مقارن مع بلدان مجلس التعاون الخليجي في السنوات الاخيرة باعتبارها مجموعة من الدول التي تشترك في العديد من الخصائص.

ـ تقييم كفاءة سوق العمل الكويتي بحسب تقرير التنافسية العالمي

يعتبر المنتدى كفاءة سوق العمل احد الاركان الرئيسية لما يسمى "مجموعة معززات الكفاءة" وهي من المحاور التي يتم على اساسها عمل مقارنات وتصنيفات بين مختلف الاقتصاديات الاقليمية والعالمية ويمثل مؤشر كفاءة سوق العمل الركن السابع في هذه المجموعة التي تؤثر على تنافسية الاقتصاد ككل حيث تعد هذه الكفاءة شرطا مهما لفعالية توزيع قوة العمل على افضل سبل استخدامها بين مختلف مجالات النشاط الاقتصادي وبشكل دقيق.

ـ مؤشر جمود التوظيف

وبخصوص مؤشر جمود التوظيف وهو المؤشر المركب الذي هو متوسط لثلاثة مؤشرات فرعية تقيس مدى صعوبة التوظيف "مثل تحديد اذا ما كان يحظر استخدام عقود محددة المدة في مهام تتسم بالاستمرارية" ومدى صرامة ساعات العمل "مثل تحديد اذا ما كانت هناك قيود على العمل ليلا وقيود على العمل في ايام العطلات الاسبوعية"، ومدى صعوبة فصل العاملين "مثل تحديد اذا ما كان على صاحب العمل في القطاع الخاص ان يخطر الغير مثل اية جهة حكومية عند فصل اي عامل زائد عن حاجة العمل".

ـ مؤشر ممارسات التوظيف والتسريح

وفي نفس السياق وبخصوص مؤشر ممارسات التوظيف والتسريح وهو المؤشر الذي يقيس مدى قدرة كل مؤسسة على التحكم في عملية التوظيف والتسريح بشكل منفرد دون وجود لقواعد منظمة صارمة يجب الالتزام بها.

مؤشر تكلفة التسريح من العمل

ولا يختلف الامر كثيرا في ما يتعلق بمؤشر تكلفة التسريح من العمل وهو المؤشر الذي يقيس مدى ثقل التكاليف التي تتحملها المؤسسات كلما احتاجت الى تسريح اي عمالة زائدة، وتتضمن هذه التكاليف كل ما هو مرتبط باشتراطات الاخطار المسبق، ومكافآت نهاية الخدمة والغرامات المستحقة عن فصل الموظف، وكلها تحسب في شكل اسابيع من راتب العامل المعني بالتسريح، إذ ان الكويت تحتل المرتبة الرابعة خليجيا في هذا المؤشر خلال العامين الفارطين كما يلاحظ التدني الكبير في ترتيب الكويت العالمي في هذا المجال حيث تحتل المركز 105 في العام 2011/2012 وتشير هذه البيانات بكل وضوح الى الارتفاع النسبي في تكلفة تسريح العمالة الزائدة في الكويت، وذلك بالمقارنة بالمستويات العالمية.

مؤشر الأجور والإنتاجية

اما في ما يتعلق بمؤشر "الاجور والانتاجية" وهو المؤشر الذي يقيس مدى التناسب بين حجم الاجر ومستوى الاداء الانتاجي للعامل، فإن الكويت تحتل المرتبة الاخيرة خليجيا في هذا المؤشر خلال العامين الاخيرين، وتؤكد هذه البيانات ان سوق العمل الكويتي هو السوق الاقل توافقا بين الاجور والانتاجية في دول مجلس التعاون الخليجي، اي ان انتاجية الموظف في دولة الكويت هي الاقل انسجاما مع الاجر الذي يتقاضاه، وذلك بالمقارنة مع نظيره في البلدان الخليجية وللاشارة تمثل هذه الظاهرة احد المعوقات الرئيسية لتحقيق كفاءة سوق العمل.

مؤشر الاعتماد على الإدارة المحترفة

وبخصوص مؤشر الاعتماد على الادارة المحترفة، وهو المؤشر الذي يقيس مدى التزام المؤسسات بتعيين الاشخاص الاكثر كفاءة في المناصب العليا بصرف النظر عن اعتبارات المحسوبية والعلاقات العائلية، حيث يبين الجدول ان الكويت تحتل المرتبة الاخيرة خليجيا في هذا المؤشر خلال العامين الاخيرين، ولعل اللافت للنظر هو الفارق الشاسع في الترتيب بين  الكويت وصاحب المركز قبل الاخير "وهو 55 مركزا يفصل سلطنة عمان عن الكويت بحسب بيانات عام "2011 / 2012" وتؤكد هذه البيانات تفاقم ظاهرة تعيين القيادات ليس بحسب الاختصاص والكفاءة والخبرة والاولوية وانما بحسب المحسوبية والعلاقات العائلية والمصالح الضيقة، وما من شك ان ذلك يتعارض مع متطلبات كفاءة سوق العمل، وكذلك مع مبادئ الكفاءة الانتاجية اضافة لكونه يمثل سلبا للحقوق الوظيفية لاصحاب الكفاءة وتلاعبا في مستقبلهم الوظيفي من دون وجه حق مما قد يتسبب بتفشي ظاهرة الشعور بالغبن بينهم وما يمثله ذلك من تهديد للتماسك الاجتماعي في الدولة.

مؤشر هجرة العقول

اما فيما يتعلق بمؤشر هجرة العقول وهو المؤشر الذي يقيس مدى قدرة سوق العمل على استيعاب اصحاب الكفاءة العالية، ومن ثم الاحتفاظ بهم داخل الاقتصاد المحلي وعدم اجتذابهم للعمل في دول اخرى، فإن الكويت تحتل المرتبة الاخيرة خليجيا في هذا المؤشر بحسب بيانات العامين الاخيرين، وعلى الرغم من محدودية ظاهرة هجرة العقول الكويتية للخارج في الوضع الراهن تؤكد هذه البيانات ان سوق الشغل في الكويت هو الأقل قدرة في المنطقة الخليجية على توفير فرص عمل جاذبة لأصحاب الكفاءات العالية بما يسمح بالاحتفاظ بهم داخل الاقتصاد المحلي.

مؤشر إسهام المرأة في قوة العمل

وبخصوص مؤشر اسهام المرأة في قوة العمل وهو المؤشر الذي يتم احتسابه باخذ مساهمة المرأة في قوة العمل كنسبة من مساهمة الرجل فيها يبين فإن الكويت على الرغم من تدني ترتيبها العالمي في هذا المؤشر "نظرا لخصوصية المنطقة ككل" فهي تحتل المرتبة الاولى خليجيا بحسب بيانات العامين الاخيرين، وتؤكد هذه البيانات ان سوق العمل في الكويت هو الاكثر توفيرا لفرص عمل جاذبة للمرأة في المنطقة الخليجية، ويبين بكل وضوح من خلال استعراض النتائج الحديثة التي حققتها الكويت في مختلف المكونات الفرعية لمؤشر المنتندى الاقتصادي العالمي المتعلق بكفاءة سوق العمل ان الكويت تعاني ضعفا كبيرا في كفاءتها ليس فقط بالمقارنة بالدول المتقدمة، وانما مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي وذلك على الرغم من انخفاض نسب البطالة فيها.

مواجهة التحديات المستقبلية

يظهر التحليل في هذا الفصل حجم تحديات العمالة وسوق العمل التي يواجهها الاقتصاد الكويتي في الوضع الراهن، والتي ستتزايد تراكماتها في المستقبل في حال غياب تصميم وتفعيل لسياسات تصحيحية هيكلية تستهدف مواجهة التحديات وضبط الاختلالات الديموغرافية الناتجة عنها ومن الامور الملاحظة ان سياسة الاحلال التي حاولت الحكومة فرضها على مر السنوات الاخيرة لم يكتب لها النجاح المأمول فحتى على مستوى القطاع العام تكفي الاشارة الى ارتفاع عدد الموظفين غير الكويتيين من حوالي 61 الف موظف في عام 2007 لكي يصبح حوالي 85 الفا في عام 2011 اي بزيادة سنوية في حدود 8.6 في المئة تقريبا اما فيما يتعلق بالقطاع الخاص، فقد شهد عبر السنوات مماطلة الكثير من مؤسساته في تطبيق النسب المفروضة من العمالة الوطنية بحسب القانون نظرا للتأثيرات السلبية المفترضة لهذا التطبيق على لاداء الانتاجي فيها والواضح ان المطلوب في المرحلة القادمة هو اعمق بكثير من قانون للعمالة الوطنية غير قابل للتطبيق بشكل فعال.

ملامح معالجة اختلالات سوق العمل

لذلك لكي تتمكن الكويت من تصحيح المسار ومعالجة اختلالات سوق العمل بشكل جذري مدخلا للاصلاح الاقتصادي فانه لا بديل عن تصميم وتنفيذ استراتيجية طويلة المدى مندمجة ومتدرجة تضمن الملامح التالية:

• تقليل الفجوة بين اجور القطاعين العام والخاص حتى لا يكون هناك تفاوت كبير بين مستوى الاجور في القطاعين.

• ربط الزيادات في القطاع العام ببعض المتغيرات الاقتصادية كنسب التضخم وجعلها متسقة مع الانتاجية الحدية حتى يكون هناك عائدومردود اقتصادي للدولة لتلك الزيادات.

• تفادي احداث تشوهات في السوق بما لا يتسبب في تكاليف عالية لتنفيذ الاعمال من قبل القطاع الخاص.

• تقديم الحوافز لاكتساب المهارات التي يتطلبها القطاع الخاص من اجل توظيف المواطنين.

• إعادة صياغة العقد الاجتماعي بهدف بناء علاقة جيدة بين شركاء الوطن، مبنية على ثقة المؤسسات في المجتمع وثقة الفرد في المؤسسات.

• تطوير منظومة التعليم والتدريب وتنمية المهارات لضمان المزيد من المواءمة بين المناهج والتدريب العملي ومتطلبات سوق العمل.

• تفعيل الشراكة بين القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والبحثية في تصميم برامج توفير فرص العمل.

• فتح قنوات التواصل مع جيل الشباب لفهم تطلعاتهم واشراكهم في عملية اتخاذ القرار وذلك بهدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي المرتبط بالتوظيف.

• تطوير التشريعات بما يمكن الدولة من اجتذاب العمالة الماهرة.

• تطوير الاعمال الصغيرة والمتوسطة باعتبارها آلية فعالة لتحقيق النمو ولخلق مواطن الشغل وبناء آليات لتشجيع الشباب على تبني مفهوم ثقافة العمل الحر مع ضمان توفير قنوات تمويل مناسبة لهذه الاعمال.

• إعادة النظر في اسس التفاوض في الاتفاقيات التجارية الثنائية والدولية لمراعاة مدى تأثير هذه الاتفاقيات على توفير فرص عمل مستدامة للمواطنين.

• تطوير قواعد بيانات عن سوق العمل الكويتي والاستفادة من تجارب بعض الدول في انشاء مؤسسات التوظيف توفر المعلومات حول الوظائف والمهارات المتاحة في القطاعين العام والخاص.