الخريطة التي نشرت في الصحف يوم الجمعة 13 يونيو 2014 بعنوان "دولة داعش أعادت خريطة القوميين السوريين"، وما سمي عندها بالهلال الخصيب الذي ضم بلاد الشام (سورية ولبنان والأردن وفلسطين) والعراق والكويت لها مدلولها، وأثير وقتها أن مشروع الهلال الخصيب قصد به تقسيم الوطن العربي، وتبنت القوى الاستعمارية تلك الفكرة في مواجهة القوى القومية العربية بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.

Ad

 كانت الفكرة لدى القوميين السوريين فكرة وحدوية لبلاد الشام في البداية، ثم ضمت العراق والكويت، وتبين الكتب التي أصدرها الحزب القومي السوري أن الغرض الأساسي وحدوي عربي، لكن الفكرة طورت بعد ذلك لتكون مخططا مناهضا لحركة القومية العربية وبالذات لمناهضة عبدالناصر، وتبنت بريطانيا والولايات المتحدة قيادة الحملة ضد عبدالناصر بمعاونة الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية الأخرى.

إن ما فعله "داعش" وما يحمله من أفكار لا يمثل إسلاماً وينذر بشر مستطير لا يخدم في النهاية مهما طرحت من شعارات إلا الدولة الصهيونية ومخططات الدول الكبرى لتقسيم الأمة العربية وتفتيتها، ولعل نجاح الشعب العربي المصري في عزل "الإخوان" والعودة لطرح نظامه الجديد فكره القومي سببٌ رئيسيٌّ في إحياء فكرة الهلال الخصيب والعمل على تقسيم الأمة العربية.

وبينما كانت الفكرة قومية حين بدأ القوميون السوريون عملهم، فإن الفكرة الآن تشعل نار الطائفية كأساس لتمزيق الوطن العربي، وما جرائم التنظيمات الإسلامية إن جازت تسميتها كذلك من كل الطوائف المتقاتلة على الأرض السورية إلا بداية للمخطط الرهيب الذي ينتظر هذه الأمة.

لقد دمرت الحرب الطائفية والنظام العسكري في سورية كل سورية، ونشرت الهلع والدمار في كل مكان، وقضت أو تكاد تقضي على الثورة الشعبية هناك، وبعدما تم لها ذلك بدأت بضرب العراق المهيأ أصلاً بغباء طوائفه وطمعها للدخول في حرب التقسيم وتوزيع العراق بين فئاته المختلفة، وربما ظن البعض أن التقسيم حلٌّ ولكن طبيعة الأرض والشعب في العراق، وتارخ طويل لعراق موحد لن يوفرا الاستقرار، ولن يجلبا الأمن لأي من هذه الأطراف والطوائف.

والعالم سيتفرج على الاقتتال ولن يتحرك إلا إذا تهددت منابع النفط، ولقد سمعنا متى بدأ التحرك في البيت الأبيض، ثم سكت بعد خروج "داعش" من كركوك أحد المواقع النفطية الرئيسة في العراق، وكأن الدول الكبرى تقول تقاتلوا واقتلوا بعضكم بعضاً حتى تزولوا جميعاً ما دمتم بعيدين عن منابع النفط وقنواته.

الخريطة لها مدلولها، وكان قد أثارني سابقا وجود الكويت ضمن الهلال الخصيب وقتها، وحين عادت الخريطة وضحت الصورة، وأن الأفكار الهدامة يعاد إحياؤها ما دام بيننا من لا يفهم ولا يرى الخطر الداهم، ويعمل بغباء أو بعمالة لمصلحة المستعمرين.